المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

79- ما يصيبك - أيها النبي - من رخاء ونعمة وعافية وسلامة فمن فضل اللَّه عليك ، يتفضل به إحسانا منه إليك ، وما أصابك من شدة ومشقة وأذى ومكروه فمن نفسك بسبب تقصير أو ذنب ارتكبته . والخطاب للنبي لتصوير النفس البشرية وإن لم يقع منه ما يستوجب السيئة ، وأرسلناك رسولاً من عندنا للناس جميعاً ، واللَّه شهيد على تبليغك وعلى إجابتهم ، وكفي به عليماً .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

71

وفي الحالتين يكون وجود الحدث وتحققه من عند الله . . وهذا ما تقرره الآية الأولى . .

أما الآية الثانية :

( ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك . . )

فإنها تقرر حقيقة أخرى . ليست داخلة ولا متداخلة مع مجال الحقيقة الأولى . . إنها في واد آخر . . والنظرة فيها من زاوية أخرى :

إن الله - سبحانه - قد سن منهجا ، وشرع طريقا ، ودل على الخير ، وحذر من الشر . . فحين يتبع الإنسان هذا المنهج ، ويسير في هذا الطريق ، ويحاول الخير ، ويحذر الشر . . فإن الله يعينه على الهدى كما قال : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . . ويظفر الإنسان بالحسنة . . ولا يهم أن تكون من الظواهر التي يحسبها الناس من الخارج كسبا . . إنما هي الحسنة فعلا في ميزان الله تعالى . . وتكون من عند الله . لأن الله هو الذيسن المنهج وشرع الطريق ودل على الخير وحذر من الشر . . وحين لا يتبع الإنسان منهج الله الذي سنه ، ولا يسلك طريقه الذي شرعه ، ولا يحاول الخير الذي دله عليه ، ولا يحذر الشر الذي حذره منه . . حينئذ تصيبه السيئة . السيئة الحقيقية . سواء في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا . . ويكون هذا من عند نفسه . لأنه هو الذي لم يتبع منهج الله وطريقه . .

وهذا معنى غير المعنى الأول ، ومجال غير المجال الاول . . كما هو واضح فيما نحسب . .

ولا يغير هذا من الحقيقة الأولى شيئا . وهي أن تحقق الحسنة ، وتحقق السيئة ووقوعهما لا يتم إلا بقدرة الله وقدره . لأنه المنشى ء لكل ما ينشأ . المحدث لكل ما يحدث . الخالق لكل ما يكون . . أيا كانت ملابسة إرادة الناس وعملهم في هذا الذي يحدث ، وهذا الذي يكون .

ثم يبين لهم حدود وظيفة الرسول [ ص ] وعمله وموقف الناس منه ، وموقفه من الناس ، ويرد الأمر كله إلى الله في النهاية :

( وأرسلناك للناس رسولا . وكفى بالله شهيدا . من يطع الرسول فقد أطاع الله . ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظًا ) . .

إن وظيفة الرسول هي أداء الرسالة . لا إحداث الخير ولا إحداث السوء . فهذا من أمر الله - كما سلف - والله شهيد على أنه أرسل النبي [ ص ] لأداء هذه الوظيفة ( وكفى بالله شهيدًا ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

قالت فرقة : { ما } شرطية ، ودخلت { من } بعدها لأن الشرط ليس بواجب فأشبه النفي الذي تدخله { من } ، وقالت فرقة { ما } بمعنى الذي ، و { من } لبيان الجنس ، لأن المصيب للإنسان أشياء كثيرة : حسنة وسيئة ، ورخاء وشدة ، وغير ذلك ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وغيره داخل في المعنى ، وقيل : الخطاب للمرء على الجملة ، ومعنى هذه الآية عند ابن عباس وقتادة والحسن والربيع وابن زيد وأبي صالح وغيرهم ، القطع واستئناف الإخبار من الله تعالى ، بأن الحسنة منه وبفضله ، والسيئة من الإنسان بإذنابه ، وهي من الله بالخلق والاختراع ، وفي مصحف ابن مسعود ، «فمن نفسك » «وأنا قضيتها عليك »{[4156]} وقرأ بها ابن عباس ، وحكى أبو عمرو أنها في مصحف ابن مسعود «وأنا كتبتها » وروي أن أبياً وابن مسعود قرآ «وأنا قدرتها عليك » ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي عليه السلام معناها : أن ما يصيب ابن آدم من المصائب ، فإنما هي عقوبة ذنوبه ، ومن ذلك أن أبا بكر الصديق لما نزلت { من يعمل سوءاً يجز به }{[4157]} جزع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «ألست تمرض ؟ ألست تسقم ؟ ألست تغتم ؟ »{[4158]} وقال أيضاً عليه السلام : «ما يصيب الرجل خدشة عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر »{[4159]} ففي هذا بيان أو تلك كلها مجازاة على ما يقع من الإنسان ، وقالت طائفة : معنى الآية كمعنى التي قبلها في قوله : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله } [ النساء : 78 ] على تقدير حذف يقولون ، فتقديره : فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ، يقولون : ما أصابك من حسنة ، ويجيء القطع على هذا القول من قوله : { وأرسلنا } وقالت طائفة : بل القطع في الآية من أولها ، والآية مضمنة الإخبار أن الحسنة من الله وبفضله ، وتقدير ما بعده { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } ، على جهة الإنكار والتقرير{[4160]} ، فعلى هذه المقالة ألف الاستفهام محذوفة من الكلام{[4161]} ، وحكى هذا القول المهدوي ، و { رسولاً } نصب على الحال ، وهي حال تتضمن معنى التأكيد في قوله تعالى ، { وأرسلناك للناس رسولاً } ثم تلاه بقوله : { وكفى بالله شهيداً } توعد للكفرة ، وتهديد تقتضيه قوة الكلام ، لأن المعنى شهيداً على من كذبه .


[4156]:- قال القرطبي رحمه الله تعليقا على ذلك: "هذه قراءة على التفسير، وقد أثبتها بعض أهل الزيغ من القرآن، والحديث بذلك عن ابن مسعود وأبي منقطع، لأن مجاهدا لم ير عبد الله ولا أبيا".
[4157]:- من قوله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءا يجز به، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا} في الآية (123) من سورة (النساء).
[4158]:- أخرجه ابن جرير عن عائشة، وأخرجه أحمد وهناد وعبد بن حميد والحكيم والترمذي وغيرهم عن أبي بكر (الدر المنثور).
[4159]:- أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة: [وما أصابك من سيئة فمن نفسك] قال: "عقوبة بذنبك يا ابن آدم". قال: "وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا يصيب رجلا خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر). (الدر المنثور).
[4160]:- هكذا في الأصول، ولعلها: "والتقريع"، أو يكون المراد: الإنكار عليهم مع تقريرهم بالخبر.
[4161]:- حذف ألف الاستفهام من الكلام كثير، ومنه: [وتلك نعمة تمنها عليّ]، أي: أو تلك نعمة؟ وقوله تعالى: {فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي}، أي: أهذا ربي؟ وقول أبي خراش الهذلي: رموني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم؟ أي: أهم هم؟