المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

227- لكن الذين اهتدوا بهدى الله وعملوا الصالحات حتى تمكنت فيهم ملكات فاضلة ، وذكروا الله كثيراً حتى تمكنت خشيته من قلوبهم ، هؤلاء يجعلون الشعر كالدواء يصيب الداء ، وينتصرون لدينهم وإقامة الحق إذا جير على الحق ، وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وهجاء الرسول أي مرجع من مراجع الشر والهلاك يرجعون إليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

192

ومن ثم يستثني القرآن الكريم من ذلك الوصف العام للشعراء :

( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا ، وانتصروا من بعد ما ظلموا ) . .

فهؤلاء ليسوا داخلين في ذلك الوصف العام . هؤلاء آمنوا فامتلأت قلوبهم بعقيدة ، واستقامت حياتهم على منهج . وعملوا الصالحات فاتجهت طاقاتهم إلى العمل الخير الجميل ، ولم يكتفوا بالتصورات والأحلام . وانتصروا من بعد ما ظلموا فكان لهم كفاح ينفثون فيه طاقتهم ليصلوا إلى نصرة الحق الذي اعتنقوه .

ومن هؤلاء الشعراء الذين نافحوا عن العقيدة وصاحبها في إبان المعركة مع الشرك والمشركين على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة - رضي الله عنهم - من شعراء الأنصار ، ومنهم عبد الله بن الزبعرى ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد كانا يهجوان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في جاهليتهما ، فلما أسلما حسن إسلامهما ومدحا رسول الله ونافحا عن الإسلام .

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال لحسان : " اهجهم - أو قال هاجهم - وجبريل معك " . . وعن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه أنه قال للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل " [ رواه الإمام أحمد ]

والصور التي يتحقق بها الشعر الإسلامي والفن الإسلامي كثيرة غير هذه الصورة التي وجدت وفق مقتضياتها . وحسب الشعر أو الفن أن ينبع من تصور إسلامي للحياة في أي جانب من جوانبها ، ليكون شعرا أو فنا يرضاه الإسلام .

وليس من الضروري أن يكون دفاعا ولا دفعا ؛ ولا أن يكون دعوة مباشرة للإسلام ولا تمجيدا له أو لأيام الإسلام ورجاله . . ليس من الضروري أن يكون في هذه الموضوعات ليكون شعرا إسلاميا . وإن نظرة إلى سريان الليل وتنفس الصبح ، ممزوجة بشعور المسلم الذي يربط هذه المشاهد بالله في حسه لهي الشعر الإسلاميفي صميمه . وإن لحظة إشراق واتصال بالله ، أو بهذا الوجود الذي أبدعه الله ، لكفيلة أن تنشئ شعرا يرضاه الإسلام .

ومفرق الطريق أن للإسلام تصورا خاصا للحياة كلها ، وللعلاقات والروابط فيها . فأيما شعر نشأ من هذا التصور فهو الشعر الذي يرضاه الإسلام .

وتختم السورة بهذا التهديد الخفي المجمل :

( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) . .

السورة التي اشتملت على تصوير عناد المشركين ومكابرتهم ، واستهتارهم بالوعيد واستعجالهم بالعذاب . كما اشتملت على مصارع المكذبين على مدار الرسالات والقرون .

تنتهي بهذا التهديد المخيف . الذي يلخص موضوع السورة . وكأنه الإيقاع الأخير المرهوب ؛ يتمثل في صور شتى ، يتمثلها الخيال ويتوقعها . وتزلزل كيان الظالمين زلزالا شديدا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا } استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله تعالى والحث على طاعته ، ولو قالوا هجوا أرادوا به الانتصار ممن هجاهم ومكافحة هجاة المسلمين كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت والكعبين ، و كان عليه الصلاة والسلام يقول لحسان " قل وروح القدس معك " . وعن كعب بن مالك أنه عليه الصلاة السلام قال له " اهجوا فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } تهديد شديد لما في " سيعلم " من الوعيد البليغ وفي " الذين ظلموا " من الإطلاق والتعميم ، وفي " أي منقلب ينقلبون " أي بعد الموت من الإيهام والتهويل ، وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما حين عهد إليه ، وقرىء " أي منفلت ينفلتون " من الانفلات وهو النجاة والمعنى : أن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا عن عذاب الله وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدق بمحمد عليهم الصلاة والسلام " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

هذا الاستثناء هو في شعراء الإسلام كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكل من اتصف بهذه الصفة ، ويروى عن عطاء بن يسار وغيره أن هؤلاء شق عليهم ما ذكر قبل في الشعراء وذكروا ذلك للنبي عليه السلام فنزلت آية الاستثناء بالمدينة{[8974]} ، وقوله { وذكروا الله كثيراً } يحتمل أن يريد في أشعارهم وهو تأويل ابن زيد ، ويحتمل أن يريد أن ذلك خلق لهم وعبادة وعادة قاله ابن عباس ، وهذا كما قال لبيد حين طلب منه شعره إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيراً منه وكل شاعر في الإسلام يهجو ويمدح من غير حق ولا يرتدع عن قول دنيء فهم داخلون في هذه الآية وكل تقي منهم يكثر من الزهد ويمسك عن كل ما يعاب فهو داخل في الاستثناء ، وقوله { وانتصروا } إشارة إلى ما قاله من الشعر علي وغيره في قريش قال قتادة وفي بعض القراءة ، «وانتصروا بمثل ما ظلموا » ، وباقي الآية وعيد للظلمة كفار مكة وتهديد لهم ، وعمل { ينقلبون } في { أي } لتأخيره{[8975]} . والحول والقوة لله عز وجل ، والله تبارك وتعالى أعلم .


[8974]:أخرج مثله عن أبي هريرة ابن مردويه، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر حكمة) قال: (وأتاه قرظة بن كعب، وعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت فقالوا: إنا نقول الشعر،و قد نزلت هذه الآية، فقال رسول الله عليه الله عليه: اقرؤوا، فقروا: {والشعراء.... إلى قوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال : أنتم هم، {وذكروا الله كثيرا}، قال: أنتم هم: {وانتصروا من بعد ما ظلموا} قال: أنتم هم).
[8975]:ومعنى {أي منقلب ينقلبون}: أي مصير يصيرون، وأي مرجع يرجعون؛ لأن مصيرهم إلى النار وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العذاب وهو شر مرجع وقال الماوردي: الفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب هو الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع هو العود إلى حال كان عليها من حال هو فيها، فصار كل مرجع منقلبا، وليس كل منقلب مرجعا. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كتب أبي في وصيته سطرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أبو بكر بن قحافة عند خروجه من الدنيا، حين يؤمن الكافر، ويتقي الفاجر، ويصدق الكاذب: إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فإن يعدل فذلك ظني به ورجائي فيه، وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".