المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (272)

272- ليس عليك - يا محمد - هداية هؤلاء الضالين أو حملهم على الخير ، وإنما عليك البلاغ ، والله يهدي من يشاء ، وما تبذلونه من معونة لغيركم ففائدته عائدة عليكم ، والله مثيبكم عليه ، وهذا إذا كنتم لا تقصدون بالإنفاق إلا رضاء الله ، وأي خير تنفقونه على هذا الوجه يعود إليكم ، ويصلكم ثوابه كاملا دون أن ينالكم ظلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (272)

261

ومن ثم لفتة من خطاب الذين آمنوا إلى خطاب الرسول [ ص ] لفتة لتقرير جملة حقائق كبيرة ، ذات أثر عميق في إقامة التصور الإسلامي على قواعده ، وفي استقامة السلوك الإسلامي على طريقه :

( ليس عليك هداهم ، ولكن الله يهدي من يشاء . وما تنفقوا من خير فلأنفسكم . وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله . وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) . .

روى ابن أبي حاتم - بإسناده - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي [ ص ] أنه كان يأمر بألا يتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية : ليس عليك هداهم . . إلى آخرها . . فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين . .

إن أمر القلوب وهداها وضلالها ليس من شأن أحد من خلق الله - ولو كان هو رسول الله [ ص ] إنه من أمر الله وحده . فهذه القلوب من صنعه ؛ ولا يحكمها غيره ، ولا يصرفها سواه ، ولا سلطان لأحد عليها إلا الله . وما على الرسول إلا البلاغ . فأما الهدى فهو بيد الله ، يعطيه من يشاء ، ممن يعلم - سبحانه - أنه يستحق الهدى ، ويسعى إليه . وإخراج هذا الأمر من اختصاص البشر يقرر الحقيقة التي لا بد أن تستقر في حس المسلم ليتوجه في طلب الهدى إلى الله وحده ، وليتلقى دلائل الهدى من الله وحده . . ثم هي تفسح في احتمال صاحب الدعوة لعناد الضالين ، فلا يضيق صدره بهم وهو يدعوهم ؛ ويعطف عليهم ، ويرتقب إذن الله لقلوبهم في الهدي ، وتوفيقهم إليه بمعرفته حين يريد .

( ليس عليك هداهم ، ولكن الله يهدي من يشاء ) . .

فلتفسح لهم صدرك ، ولتفض عليهم سماحتك ، ولتبذل لهم الخير والعون ما احتاجوا إليه منك . وأمرهم إلى الله . وجزاء المنفق عند الله .

ومن هنا نطلع على بعض الآفاق السامية السمحة الوضيئة التي يرفع الإسلام قلوب المسلمين إليها ، ويروضهم عليها . . إن الإسلام لا يقرر مبدأ الحرية الدينية وحده ؛ ولا ينهى عن الإكراه على الدين فحسب . إنما يقرر ما هو أبعد من ذلك كله . يقرر السماحة الإنسانية المستمدة من توجيه الله - سبحانه - يقرر حق المحتاجين جميعا في أن ينالوا العون والمساعدة - ما داموا في غير حالة حرب مع الجماعة المسلمة - دون نظر إلى عقيدتهم . ويقرر أن ثواب المعطين محفوظ عند الله على كل حال ، ما دام الإنفاق ابتغاء وجه الله . وهي وثبة بالبشرية لا ينهض بها إلا الإسلام ؛ ولا يعرفها على حقيقتها إلا أهل الإسلام :

( وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله . وما تنفقوا من خير يوف إليكم ، وأنتم لا تظلمون ) . .

ولا يفوتنا أن ندرك مغزى هذه اللفتة الواردة في الآية عن شأن المؤمنين حين ينفقون :

( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) . .

إن هذا هو شأن المؤمن لا سواه . إنه لا ينفق إلا ابتغاء وجه الله . لا ينفق عن هوى ولا عن غرض . لا ينفق وهو يتلفت للناس يرى ماذا يقولون ! لا ينفق ليركب الناس بإنفاقه ويتعالى عليهم ويشمخ ! لا ينفق ليرضى عنه ذو سلطان أو ليكافئه بنيشان ! لا ينفق إلا ابتغاء وجه الله . خالصا متجردا لله . . ومن ثم يطمئن لقبول الله لصدقته ؛ ويطمئن لبركة الله في ماله ؛ ويطمئن لثواب الله وعطائه ؛ ويطمئن إلى الخير والإحسان من الله جزاء الخير والإحسان لعباد الله . ويرتفع ويتطهر ويزكو بما أعطى وهو بعد في هذه الأرض . وعطاء الآخرة بعد ذلك كله فضل !

/خ274

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (272)

قال أبو عبد الرحمن النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الله{[4509]} بن عبد الرحيم ، أخبرنا{[4510]} الفِرْيَابي ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا ، فرخص لهم ، فنزلت هذه الآية : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }{[4511]} .

وكذا رواه أبو حذيفة ، وابن المبارك ، وأبو أحمد الزبيري ، وأبو داود الحَفَري ، عن سفيان - وهو الثوري - به .

وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا{[4512]} أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثني أحمد بن عبد الرحمن - يعني الدَّشْتَكِيّ - حدثني أبي ، عن أبيه ، حدثنا أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يأمر بألا يتصَدق إلا على أهل الإسلام ، حتى نزلت هذه الآية : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } إلى آخرها ، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين{[4513]} . وسيأتي عند قوله تعالى : { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُم } الآية [ الممتحنة : 8 ] حديث أسماء بنت الصديق في ذلك [ إن شاء الله تعالى ]{[4514]} .

وقوله : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُم } كقوله { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِه } [ فصلت : 46 ، الجاثية : 15 ] ونظائرها في القرآن كثيرة{[4515]} .

وقوله : { وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ } قال الحسن البصري : نفقة المؤمن لنفسه ، ولا ينفق المؤمن - إذا أنفق - إلا ابتغاء وجه الله .

وقال عطاء الخراساني : يعني إذا أعطيت لوجه الله ، فلا عليك ما كان عملُه وهذا معنى حسن ، وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجرُه على الله ، ولا عليه{[4516]} في نفس الأمر لمن أصاب : الِبَرّ أو فاجر أو مستحق أو غيره ، هو مثاب على قصده ، ومستَنَدُ هذا تمام الآية : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } والحديث المخرج في الصحيحين ، من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال رجل : لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبح الناس يتحدثون : تُصُدقَ على زانية ! فقال : اللهم لك الحمد على زانية ، لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون : تُصُدق الليلة على غَني ! فقال : اللهم لك الحمد على غني ، لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون : تُصدق الليلة على سارق ! فقال : اللهم لك الحمد على زانية ، وعلى غني ، وعلى سارق ، فأتي فقيل له : أما صدقتك فقد قبلت ؛ وأما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زناها ، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته " {[4517]} .


[4509]:في جـ، أ، و: "بن عبد السلام".
[4510]:في جـ: "حدثنا".
[4511]:سنن النسائي الكبرى برقم (11052).
[4512]:في جـ: "حدثنا".
[4513]:وعزاه السيوطي في الدر المنثور (2/86) لابن مردويه والضياء المقدسي.
[4514]:زيادة من جـ، أ.
[4515]:في و: "كثير".
[4516]:في و: "ولا يمكنه".
[4517]:صحيح البخاري برقم (1421) وصحيح مسلم برقم (1022).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (272)

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ( 272 )

روي عن سعيد بن جبير في سبب هذه الآية أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم » ، فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام( {[2667]} ) ، وذكر النقاش أن النبي عليه السلام أتى بصدقات فجاءه يهودي فقال : أعطني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ليس لك في صدقة المسلمين من شيء » ، فذهب اليهودي غير بعيد فنزلت الآية ، { ليس عليك هداهم } فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ، ثم نسخ الله ذلك بآية { إنما الصدقات }( {[2668]} ) [ التوبة : 60 ] وروي عن ابن عباس أنه كان ناس من الأنصار لهم قرابات في بني قريظة والنضير ، وكانوا لا يتصدقون عليهم رغبة منهم في أن يسلموا إذا احتاجوا ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، وحكى بعض المفسرين أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أرادت أن تصل جدها أبا قحافة ، ثم امتنعت من ذلك لكونه كافراً ، فنزلت الآية في ذلك ، وذكر الطبري أن مقصد النبي صلى الله عليه وسلم بمنع الصدقة إنما كان ليسلموا ويدخلوا في الدين ، فقال الله : { ليس عليك هداهم } قال أبو محمد : وهذه الصدقة التي أبيحت عليهم حسبما تضمنته هذه الآثار( {[2669]} ) إنما هي صدقة التطوع . وأما المفروضة فلا يجزي دفعها لكافر( {[2670]} ) ، وهذا الحكم متصور للمسلمين اليوم مع أهل ذمتهم ومع المسترقين من الحربيين . قال ابن المنذر أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئاً ، ثم ذكر جماعة ممن نص على ذلك ، ولم يذكر خلافاً ، وقال المهدوي رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم من صدقة الفريضة بهذه الآية .

قال القاضي أبو محمد : وهذا مردود عندي( {[2671]} ) ، والهدى الذي ليس على محمد صلى الله عليه وسلم هو خلق الإيمان في قلوبهم ، وأما الهدى الذي هو الدعاء فهو عليه ، وليس بمراد في هذه الآية ، ثم أخبر تعالى أنه هو : { يهدي من يشاء } أي يرشده( {[2672]} ) ، وفي هذا رد على القدرية وطوائف المعتزلة ، ثم أخبر أن نفقة المرء تأجراً( {[2673]} ) إنما هي لنفسه فلا يراعى حيث وقعت( {[2674]} ) ، ثم بيّن تعالى أن النفقة المعتدّ بها المقبولة إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله ، هذا أحد التأويلات في قوله تعالى : { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } وفيه تأويل آخر وهو أنها شهادة من الله تعالى للصحابة أنهم إنما ينفقون ابتغاء وجه الله ، فهو خبر منه لهم فيه تفضيل ، وعلى التأويل الآخر هو اشتراط عليهم ويتناول الاشتراط غيرهم من الأمة ، ونصب قوله { ابتغاء } هو على المفعول من أجله ، ثم ذكر تعالى أن ثواب الإنفاق يوفى إلى المنفقين ، والمعنى في الآخرة ولا يبخسون منه شيئاً ، فيكون ذلك أبخس ظلماً لهم ، وهذا هو بيان قوله : { وما تنفقوا من خير فلأنفسكم }( {[2675]} ) والخير في هذه الآية المال لأنه اقترن بذكر الإنفاق ، فهذه القرينة تدل على أنه المال ، ومتى لم يقترن بما يدل على أنه المال فلا يلزم أن يكون بمعنى المال ، نحو قوله تعالى : { خيراً مستقراً }( {[2676]} ) [ الفرقان : 24 ] وقوله تعالى : { مثقال ذرة خيراً يره }( {[2677]} ) [ الزلزلة : 7 ] إلى غير ذلك ، وهذا الذي قلناه تحرز من قول عكرمة : كل خير في كتاب الله فهو المال .


[2667]:- ما ذكره ابن عطية هنا مبني على أن الآية تتصل بما قبلها من الصدقات فتكون ظاهرة في صرف الصدقات إلى الكفار، وهو ما عليه ابن عطية رحمه الله، وقيل: إن هذه الآية ابتداء كلام، والمعنى: ليس عليك أن تهديهم إلى الإتيان بما أُمروا به، والانتهاء عما نهوا عنه: كالمَنّ والأذى، والإنفاق من الخبيث، والبخل، ولكن الله يهدي من يشاء، وهو ما عليه جماعة من المفسرين، والحديث الذي روي في هذا المجال مطعون فيه فقد قال الإمام ابن العربي رحمه الله: «هذا حديث باطل».
[2668]:- هي قوله تعالى في سورة التوبة [إنما الصدقات للفقراء]... الخ).
[2669]:- أي الآثار الأربعة السابقة.
[2670]:- لقوله صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم)، وأما عصاة المسلمين فلا خلاف أن صدقة الفرض تصرف إليهم لدخولهم في اسم المسلمين، إلا أنه إذا كان المسلم يترك أركان الإسلام من صلاة وصيام فلا تصرف إليه الصدقة حتى يتوب، انظر ابن العربي في الأحكام.
[2671]:- أي بالإجماع الذي ذكره ابن المنذر، وبغيره من الآثار.
[2672]:- أي يوفقه إلى ذلك، فالهداية المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن كانت مثبتة فمعناها الدعوة، وإن كانت منفية فمعناها خلق الهدى في القلب، وهذ لا يكون إلا لله عز وجل.
[2673]:- أي طلبا للأجر.
[2674]:- في يد مسلم أو كافر، برٍّ أو فاجر، مستحق أو غير مستحق، وسند هذا حديث الصحيحين في الذي تصدق ووضع صدقته في يد زانية أولا، وفي يد غني ثانيا، وفي يد سارق ثالثا، فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت لأن المرء يثاب على قصده وابتغاء وجه الله.
[2675]:- يعني أن قوله تعالى: [وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون] بيان وتفسير لقوله تعالى: [وما تنفقوا من خير فلأنفسكم] واعلم أن قوله تعالى: [وما تنفقوا من خير فلأنفسكم] [وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله] [وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون] ليست من باب التكرار والتأكيد، بل لكل واحدة من هذه الآيات وصف يخصه ويميزه.
[2676]:- من قوله تعالى في سورة الفرقان – الآية (24): [أصحاب الجنّة يومئذ خير مستقرا وأحسن مَقيلا].
[2677]:- من قوله تعالى في سورة الزلزلة – الآية (7): [فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره].
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (272)

استئناف معترض به بين قوله { إن تبدوا الصدقات } [ البقرة : 271 ] وبين قوله : { وما تنفقوا من خير فلأنفسكم } ، ومناسبته هنا أنّ الآيات المتقدمة يلوح من خلالها أصناف من الناس : منهم الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ومنهم الذين يبطلون صدقاتهم بالمَنّ والأذى ، ومنهم الذين يتيمّمون الخبيث منه ينفقون ، ومنهم من يعَدهم الشيطان الفقرَ ويأمرهم بالفحشاء . وكان وجود هذه الفرق مما يَثقل على النبي صلى الله عليه وسلم فعقّب الله ذلك بتسكين نفس رسوله والتهوين عليه بأن ليس عليه هُداهم ولكن عليه البلاغ . فالهُدى هنا بمعنى الإلجاء لحصول الهدي في قلوبهم ، وأما الهدى بمعنى التبليغ والإرشاد فهو على النَّبِيء ، ونظائر هذا في القرآن كثيرة . فالضمير رَاجع إلى جميع من بقي فيهم شيء من عدم الهدى وأشدّهم المشركون والمنافقون ، وقيل الضمير راجع إلى ناس معروفين ، روي أنّه كان لأسماء ابنةِ أبي بكر أمٌّ كافرة وجَدٌّ كافر فأرادت أسماء عام عمرة القضية أن تواسيهما بمال ، وأنّه أراد بعض الأنصار الصدقة على قرابتهم وأصهارهم في بني النضير وقريظة ، فنهَى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الصدقة على الكفّار ، إلجاء لأولئك الكفّار على الدّخول في الإسلام ، فأنزل الله تعالى : { ليس عليك هداهم } الآيات ، أي هدى الكفّار إلى الإسلام ، أي فرخّص للمسلمين الصدقة على أولئك الكفرة .

فالضمير عائد إلى معلوم للمخاطب . فيكون نزول الآية لذلك السبب ناشئاً عن نزول آيات الأمر بالإنفاق والصدقة ، فتكون الآيات المتقدمة سببَ السبب لنزول هذه الآية .

والمعنى أنْ ليس عليك أن تهديهم بأكثر من الدعوة والإرشاد ، دون هداهم بالفعل أو الإلجاء ؛ إذ لا هادي لمن يضلل الله ، وليس مثل هذا بميسّر للهُدى .

والخطاب في { ليس عليك هداهم } ظاهره أنّه خطاب للرسول على الوجه الأول الذي ذكرناه في معاد ضمير هداهم . ويجوز أن يكون خطاباً لمن يسمع على الوجه الآتي في الضمير إذا اعتبرنا ما ذكروه في سبب النزول ، أي ليس عليك أيها المتردّد في إعطاء قريبك .

و ( على ) في قوله { عليك } للاستعلاء المجازي ، أي طلب فعل على وجه الوجوب . والمعنى ليس ذلك بواجب على الرسول ، فلا يحزن على عدم حصول هداهم لأنّه أدّى واجب التبليغ ، أو المعنى ليس ذلك بواجب عليكم أيّها المعالجين لإسلامهم بالحرمان من الإنفاق حتى تسعوا إلى هداهم بطرق الإلجاء .

وتقديم الظرف وهو { عليك } على المسند إليه وهو { هُداهم } إذا أجرى على ما تقرّر في علم المعاني من أنّ تقديم المسند الذي حقّه التأخير يفيد قصر المسند إليه إلى المسند ، وكان ذلك في الإثبات بيّناً لا غبار عليه نحو { لكم دينكم ولي ديني } [ الكافرون : 6 ] وقولِه : { لها ما كسبت عليها ما اكتسبت } [ البقرة : 286 ] ، فهو إذا وقع في سياق النفي غير بيّن لأنّه إذا كان التقديم في صورة الإثبات مفيداً للحصر اقتضى أنّه إذا نفي فقد نفي ذلك الانحصار ؛ لأنّ الجملة المكيّفة بالقصر في حالة الإثبات هي جملة مقيَّدة نسبتُها بقيد الانحصار أي بقيد انحصار موضوعها في معنى محمولها . فإذا دخل عليها النفي كان مقتضياً نفي النسبة المقيّدة ، أي نفي ذلك الانحصارِ ، لأنّ شأن النفي إذا توجّه إلى كلام مقيَّد أن ينْصَبّ على ذلك القيد . لكنّ أئمة الفن حين ذكروا أمثلة تقديم المسند على المسند إليه سَوّوا فيها بين الإثبات كما ذكرنا وبين النفي نحْو { لا فيها غَوْل } [ الصافات : 47 ] ، فقد مثل به في « الكشاف » عند قوله تعالى : { لا ريب فيه } [ البقرة : 2 ] فقال : « قصد تفضيل خمر الجنّة على خمور الدنيا » ، وقال السيد في شرحه هنالك « عُدّ قصراً للموصوف على الصفة ، أي الغول مقصور على عدم الحصول في خمور الجنة لا يتعدّاه إلى عدم الحصول فيما يقابلها ، أو عَدمُ الغول مقصور على الحصول فيها لا يتجاوزه إلى الحصول في هذه الخمور » . وقد أحلتُ عند قوله تعالى : { لا ريب فيه } [ البقرة : 2 ] على هذه الآية هنا ، فبِنَا أن نبيِّن طريقة القصر بالتقديم في النفي ، وهي أنّ القصر لما كان كيفية عارضة للتركيب ولم يكن قيداً لفظياً بحيث يتوجّه النفي إليه كانت تلك الكيفية مستصحبة مع النفي ، فنحو { لا فيها غول } يفيد قصر الغَول على الانتفاء عن خمور الدنيا ولا يفيد نفي قصر الغول على الكون في خمور الجنة . وإلى هذا أشار السيّد في شرح « الكشاف » عند قوله { لا ريب فيه } إذ قال « وبالجملة يجعل حرف النفي جزءاً أو حرفاً من حروف المسند أو المسند إليه » . وعلى هذا بنى صاحب « الكشاف » فجعل وجه أن لم يقدّمْ الظرفُ في قوله : { لا ريب فيه } كما قدم الظرف في قوله : { لا فيها غول } لأنّهُ لو أوّل لقُصد أنّ كتاباً آخر فيه الريب ، لا في القرآن ، وليس ذلك بمراد .

فإذا تقرر هذا فقوله : { ليس عليك هداهم } إذا أجرى على هذا المنوال كان مفاده هداهم مقصور على انتفاء كونه عليك ، فيلزم منه استفادة إبطال انتفاء كونه على غير المخاطب ، أي إبطال انتفاء كونه على الله ، وكلا المفادين غير مراد إذ لا يُعتقد الأول ولا الثاني . فالوجه : إما أن يكون التقديم هنا لِمجرد الاهتمام كتقديم يوم الندى في قول الحريري :

ما فيه من عيب سوى أنّه *** يوم النَّدى قِسمته ضيزى

بنفي كون هداهم حقاً على الرسول تهوينا للأمر عليه ، فأما الدلالة على كون ذلك مفوّضاً إلى الله فمن قوله : { ولكن الله يهدي من يشاء } . وإما أن يكون جرى على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل السامعين منزلة من يعتقد أنّ إيجاد الإيمان في الكفّار يكون بتكوين الله وبالإلجاء من المخلوق ، فقُصر هداهم على عدم الكون في إلجاء المخلوقين إياهم لا على عدم الكون في أنّه على الله ، فيلزم من ذلك أنّه على الله ، أي مفوّض إليه .

وقوله : { ولكن الله يهدي من يشاء } جيء فيه بحرف الاستدراك لما في الكلام المنفي من توهمّ إمكان هديهم بالحرص أو بالإلجاء ، فمصَبُّ الاستدراك هو الصلة ، أعْني { من يشاء } ؛ أي فلا فائدة في إلجاء من لم يشأ الله هديه . والتقدير : ولكن هداهم بيد الله ، وهو يهدي من يشاء ، فإذا شاء أن يهديهم هداهم .

{ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ الله وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } .

عطف على جملة { إن تبدوا الصدقات } [ البقرة : 271 ] ؛ وموقعها زيادة بيان فضل الصدقات كلّها ، وأنّها لما كانت منفعتها لنفس المتصدّق فليختر لنفسه ما هو خير ، وعليه أن يُكثر منها بنبذ كل ما يدعو لترك بعضها .

وقوله : { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } جملة حالية ، وهو خبر مستعمل في معنى الأمر ، أي إنّما تكون منفعة الصدقات لأنفسكم إن كنتم ما تنفقون إلاّ ابتغاء وجه الله لا للرياء ولا لمراعاة حال مسلممٍ وكافر ، وهذا المعنى صالح لكلا المعنيين المحتمَلين في الآية التي قبلها . ويجوز كونها معطوفة عليها إذا كان الخبر بمعنى النهي ، أي لا تنفقوا إلاّ ابتغاء وجه الله . وهذا الكلام خبر مستعمل في الطلب لقصد التحقيق والتأكيد ، ولذلك خولف فيه أسلوب ما حفّ به من جملة { وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وجملة وما تنفقوا من خير يوف إليكم } .

وقوله : { وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } عطف على التي قبلها لبيان أنّ جزاء النفقات بمقدارها وأنّ مَن نُقِص له من الأجر فهو الساعي في نقصه . وكُرّر فعل تنفقون ثلاث مرات في الآية لمزيد الاهتمام بمدلوله وجيء به مرتين بصيغة الشرط عند قصد بيان الملازمة بين الإنفاق والثواب ، وجيء به مرة في صيغة النفي والاستثناء لأنّه قصد الخبر بمعنى الإنشاء ، أي النهي عن أن ينفقوا إلاّ لابتغاء وجه الله .

وتقديم { وأنتم } على الخَبَر الفعلي لمجرد التقوّي وزيادة التنبيه على أنّهم لا يُظلَمون ، وإنّما يَظْلمون أنفسهم .

وإنما جعلت هاته الأحكام جملاً مستقلاً بعضُها عن بعض ولم تجعل جملة واحدة مقيَّدة فائدتها بقيود جميع الجمل وأعيد لفظ الإنفاق في جميعها بصيغ مختلفة تكريراً للاهتمام بشأنه ، لتكون كل جملة مستقلة بمعناها قصيرة الألفاظ كثيرة المعاني ، فتجري مجرى الأمثال ، وتتناقلها الأجيال .

وقد أخذ من الآيات الأخيرة على أحد التفسيرين جواز الصدقة على الكفّار ، والمراد الكفّار الذي يختلطون بالمسلمين غير مؤذين لهم وهم أهل العهد وأهل الذمّة والجيران . واتفق فقهاء الإسلام على جواز إعطاء صدقة التطوع للكافرين ، وحكمة ذلك أنّ الصدقة من إغاثة الملهوف والكافر من عباد الله ، ونحن قد أمرنا بالإحسان إلى الحيوان ، ففي الحديث الصحيح : قالوا يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم لأجراً .

فقال : « في كل ذي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجرٌ » .

واتفق الفقهاء على أنّ الصدقة المفروضة أعني الزكاة لا تعطى للكفّار ، وحكمة ذلك أنّها إنّما فرضت لإقامة أوَد المسلمين ومواساتهم ، فهي مال الجامعة الإسلامية يؤخذ بمقادير معيّنة ، ففيه غنَى المسلمين ، بخلاف ما يعطيه المرء عن طيب نفس لأجل الرأفة والشفقة . واختلفوا في صدقة الفطر ، فالجمهور ألحقوها بالصدقات المفروضة ، وأبو حنيفة ألحقها بصدقة التطوّع فأجاز إعطاءها إلى الكافر . ولو قيل ذلك في غير زكاة الفطر كان أشْبَه ، فإنّ العيد عيد المسلمين ، ولعله رآها صدقةَ شكر على القدرة على الصيام ، فكان المنظور فيها حال المتصدِّق لا حال المتصدَّق عليه . وقوله الجمهور أصح لأنّ مشروعيتها لكفاية فقراء المسلمين عن المسألة في يوم عيدهم وليكونوا في ذلك اليوم أوسع حالاً منهم في سائر المدة ، وهذا القدر لا تظهر حكمته في فقراء الكافرين .