18- وتظنهم - أيها الناظر - منتبهين ، وفي الحقيقة هم نيام ، ونقلبهم في نومهم يمينا مرة ويسارا مرة لنحفظ أجسامهم من تأثير الأرض ، وكلبهم - الذي صاحبهم - مادا ذراعيه بالفناء وهو نائم أيضاً في شكل اليقظان ، لو اطلعت - أيها المخاطب - عليهم وهم على تلك الحال لفررت منهم هاربا ، ولملئ قلبك منهم فزعا لهيبتهم في منامهم ، فلا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم ، كيلا يدنو منهم أحد ، ولا تمسهم يد حتى تنتهي المدة .
ثم يمضي السياق يكمل المشهد العجيب . وهم يقلبون من جنب إلى جنب في نومتهم الطويلة . فيحسبهم الرائي أيقاظا وهم رقود . وكلبهم - على عادة الكلاب - باسط ذراعيه بالفناء قريبا من باب الكهف كأنه يحرسهم . وهم في هيئتهم هذه يثيرون الرعب في قلب من يطلع عليهم . إذ يراهم نياما كالأيقاظ ، يتقلبون ولا يستيقظون . وذلك من تدبير الله كي لا يبعث بهم عابث ، حتى يحين الوقت المعلوم .
ذكر بعض أهل العلم أنهم لما ضرب الله على آذانهم بالنوم ، لم تنطبق{[18039]} أعينهم ؛ لئلا{[18040]} يسرع إليها البلى ، فإذا بقيت ظاهرة للهواء كان أبقى لها ؛ ولهذا قال تعالى : { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ } وقد ذكر عن الذئب أنه ينام فيطبق عينًا ويفتح عينًا ، ثم يفتح هذه ويطبق هذه وهو راقد ، كما قال الشاعر{[18041]}
يَنَامُ بإحْدَى مُقْلتَيه وَيَتَّقِي *** بأخْرَى الرزايا فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ
وقوله تعالى : { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } قال بعض السلف : يقلبون في العام مرتين . قال ابن عباس : لو لم يقلبوا{[18042]} لأكلتهم الأرض .
وقوله : { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ } قال ابن عباس ، وقتادة ومجاهد وسعيد بن جبير{[18043]} الوصيد : الفناء .
وقال ابن عباس : بالباب . وقيل : بالصعيد ، وهو التراب . والصحيح أنه بالفناء ، وهو الباب ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } [ الهمزة : 8 ] أي : مطبقة مغلقة . ويقال : " وَصِيد " و " أصيد " .
ربض كلبهم على الباب كما جرت به عادة الكلاب .
قال ابن جريج{[18044]} يحرس عليهم الباب . وهذا من سجيته وطبيعته ، حيث يربض{[18045]} ببابهم كأنه يحرسهم ، وكان جلوسه خارج الباب ؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب - كما ورد في الصحيح{[18046]} - ولا صورة ولا جُنُب ولا كافر ، كما ورد به الحديث الحسن{[18047]} وشملت كلبهم بركتهم ، فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال . وهذا فائدة صحبة الأخيار ؛ فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن .
وقد قيل : إنه كان كلب صيد لأحدهم ، وهو الأشبه . وقيل : كان كلب طباخ الملك ، وقد كان وافقهم على الدين فصحبه كلبه فالله أعلم .
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " همام بن الوليد الدمشقي " : حدثنا صَدَقَة بن عمر الغَسَّاني ، حدثنا عباد المِنْقَري ، سمعت الحسن البصري ، رحمه الله ، يقول : كان اسم كبش إبراهيم : جرير واسم هدهد سليمان : عَنْقَز ، واسم كلب أصحاب الكهف : قطمير ، واسم عجل بني إسرائيل الذي عبدوه : بهموت . وهبط آدم ، عليه السلام ، بالهند ، وحواء بجدة ، وإبليس بدست بيسان ، والحية بأصبهان{[18048]}
وقد تقدم{[18049]} عن شعيب الجبائي أنه سماه : حمران .
واختلفوا في لونه{[18050]} على أقوال لا حاصل لها ، ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ، ولا حاجة إليها ، بل هي مما ينهى عنه ، فإن مستندها رجم بالغيب .
وقوله تعالى : { لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا } أي : أنه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم ؛ لما ألبسوا من المهابة والذعر ، لئلا يدنو منهم أحد ولا تمسهم{[18051]} يد لامس ، حتى يبلغ الكتاب أجله ، وتنقضي رقدتهم التي شاء تبارك وتعالى فيهم ، لما له في ذلك من الحجة والحكمة{[18052]} البالغة ، والرحمة الواسعة .
{ وتحسبهم أيقاظا } لانفتح عيونهم أو لكثرة تقلبهم . { وهم رُقود } نيام . { ونُقلّبهم } في رقدتهم . { ذات اليمين وذات الشمال } كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم على طول الزمان . وقرئ " ويقلبهم " بالياء والضمير لله تعالى ، و " تَقَلُبَهُمْ " على المصدر منصوبا بفعل يدل عليه تحسبهم أي وترى تقلبهم . { وكلبهم } هو مروا به فتبعهم فطردوه فأنطقه الله فقال : أنا أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم . أو كلب راع مروا به فتبعهم وتبعه الكلب ، ويؤيده قراءة من قرأ : و " كالبهم " أي وصاحب كلبهم . { باسط ذراعيه } حكاية حال ماضية ولذلك أعمل اسم الفاعل . { بالوصيد } بفناء الكهف ، وقيل الوصيد الباب ، وقيل العتبة . { لو اطّلعت عليهم } فنظرت إليهم ، وقرئ " لَوُ اطَّلَعتَ " بضم الواو . { لولّيت منهم فراراً } لهربت منهم ، و{ فرارا } يحتمل المصدر لأنه نوع من التولية والعلة والحال . { ولمُلئت منهم رُعباً } خوفا يملأ صدرك بما ألبسهم الله من الهيبة أو لعظم أجرامهم وانفتاح عيونهم . وقيل لوحشة مكانهم . وعن معاوية رضي الله عنه أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال : لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم ، فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ليس لك ذلك قد منع الله تعالى منه من هو خير منك فقال { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً } فلم يسمع وبعث ناسا فلما دخلوا جاءت ريح فأحرقتهم . وقرأ الحجازيان " لَمُلِّئْتَ " بالتشديد للمبالغة وابن عامر والكسائي ويعقوب { رُعُباً } بالتثقيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.