فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَتَحۡسَبُهُمۡ أَيۡقَاظٗا وَهُمۡ رُقُودٞۚ وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِۖ وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا} (18)

ثم حكى سبحانه طرفاً آخر من غرائب أحوالهم فقال : { وَتَحْسبهُمْ أَيْقَاظًا } جمع يقظ بكسر القاف وفتحها { وَهُمْ رُقُودٌ } أي : نيام ، وهو جمع راقد كقعود في قاعد . قيل : وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام . وقال الزجاج : لكثرة تقلبهم { وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال } أي : نقلبهم في رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسادهم { وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ } حكاية حال ماضية ، لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضيّ كما تقرر في علم النحو . قال أكثر المفسرين : هربوا من ملكهم ليلاً ، فمرّوا براع معه كلب فتبعهم . والوصيد ، قال أبو عبيد وأبو عبيدة هو فناء الباب ، وكذا قال المفسرون ، وقيل : العتبة ، وردّ بأن الكهف لا يكون له عتبة ولا باب ، وإنما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت { لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا } قال الزجاج : فراراً منصوب على المصدرية بمعنى : التولية ، والفرار : الهرب { وَلَمُلِئْتَ } قرئ بتشديد اللام وتخفيفها { مِنْهُمْ رُعْبًا } قرئ بسكون العين وضمها أي : خوفاً يملأ الصدر ، وانتصاب { رعباً } على التمييز ، أو على أنه مفعول ثانٍ ، وسبب الرّعب الهيبة التي ألبسهم الله إياها ، وقيل : طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم ، ويدفعه قوله تعالى : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } فإن ذلك يدل على أنهم لم ينكروا من حالهم شيئاً ، ولا وجدوا من أظفارهم وشعورهم ما يدل على طول المدّة .

/خ20