السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَتَحۡسَبُهُمۡ أَيۡقَاظٗا وَهُمۡ رُقُودٞۚ وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِۖ وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا} (18)

ثم إنه تعالى عطف على ما مضى بقية أمرهم بقوله تعالى : { وتحسبهم } ، أي : لو رأيتهم أيها المخاطب { أيقاظاً } ، أي : منتبهين لأنّ أعينهم مفتحة للهواء لأنه يكون أبقى لها ، جمع يقظ بكسر القاف { وهم رقود } ، أي : نيام جمع راقد قال الزجاج : لكثرة تقلبهم يظنّ أنهم أيقاظ والدليل عليه قوله تعالى : { ونقلبهم } ، أي : في ذلك حال نومهم تقلباً كثيراً بحسب ما ينفعهم كما يكون النائم { ذات } ، أي : في الجهة التي هي صاحبة { اليمين } منهم { وذات الشمال } لينال روح النسيم جميع أبدانهم ولا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث .

تنبيه : اختلف في مقدار مدّة التقليب ، فعن أبي هريرة أنّ لهم في كل عام تقليبتين . وعن مجاهد يمكثون رقوداً على أيمانهم تسع سنين ثم ينقلبون على شمائلهم فيمكثون رقوداً تسع سنين وقيل لهم تقليبة واحدة يوم عاشوراء . قال الرازي : وهذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها ولفظ القرآن لا يدل عليها وما جاء فيه خبر صحيح فكيف يعرف انتهى . ولهذا قلت بحسب ما ينفعهم . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فائدة تقلبهم لئلا تأكل الأرض لحومهم ولا ثيابهم اه . قال الرازي : وهذا أعجب من ذلك لأنه تعالى لما قدر على أن يمسك حياتهم ثلاثمائة سنة وأكثر أفلا يقدر على حفظ أجسادهم من غير تقليب اه . وهذا ليس بعجيب لأنّ القدرة صالحة لذلك وأكثر بحسب العادة ، وأمّا إمساك أرواحهم فهو خرق للعادة فلا يقاس عليه . { وكلبهم باسط ذراعيه } ، أي : يديه ، أي : ملقيهما على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب " .

وقال المفسرون : كان الكلب قد بسط ذراعيه وجعل وجهه عليهما .

تنبيه : باسط اسم فاعل ماض وإنما عمل على حكاية الحال والكسائيّ يعمله ويستشهد بالآية الكريمة وأكثر المفسرين على أنّ الكلب من جنس الكلاب . وروي عن ابن جريج أنه كان أسداً ويسمى الأسد كلباً فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي لهب فقال : «اللهم سلط عليه كلباً من كلابك فافترسه الأسد » . وقال ابن عباس : كان كلباً أغزّ واسمه قطمير وعن عليّ اسمه ريان واختلف في قوله تعالى : { بالوصيد } فقال ابن عباس : هو باب الكهف وقيل العتبة . قال السدي : والكهف لا يكون له باب ولا عتبة ، وإنما أراد موضع الباب والعتبة وقال الزجاج : الوصيد فناء البيت وفناء الدار ، قال الشاعر :

بأرض فضاء لا يسدّ وصيدها *** عليّ ومعروفي بها غير منكر

وقال مجاهد والضحاك : الوصيد الكهف . { لو اطلعت عليهم } بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين ، أي : وهم على تلك الحالة { لوليت منهم } حال وقوع بصرك عليهم { فراراً } لما ألبسهم الله تعالى من الهيبة وجعل لهم من الجلالة تدبيراً منه لما أراد منهم حتى لا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله . { ولملئت منهم رعباً } ، أي : فزعاً ، واختلف في ذلك الرعب كان لماذا ؟ فقال الكلبيّ : لأنّ أعينهم مفتتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم وهم نيام ، وقيل من وحشة الكلام وقيل لكثرة شعورهم وطول أظفارهم وتقلبهم من غير حس كالمستيقظ وقيل : إنّ الله تعالى منعهم بالرعب حتى لا يراهم أحد .

وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس قد منع ذلك من هو خير منك { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً } ، فبعث معاوية ناساً فقال : اذهبوا فانظروا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم . وقرأ نافع وابن كثير بتشديد اللام بعد الميم ، والباقون بتخفيفها والسوسي بإبدال الهمزة ياء على أصله وقفاً ووصلاً وحمزة في الوقف فقط . وقرأ ابن عامر والكسائي رعباً بضم العين والباقون بسكونها .