ثم إنه تعالى عطف على ما مضى بقية أمرهم بقوله تعالى : { وتحسبهم } ، أي : لو رأيتهم أيها المخاطب { أيقاظاً } ، أي : منتبهين لأنّ أعينهم مفتحة للهواء لأنه يكون أبقى لها ، جمع يقظ بكسر القاف { وهم رقود } ، أي : نيام جمع راقد قال الزجاج : لكثرة تقلبهم يظنّ أنهم أيقاظ والدليل عليه قوله تعالى : { ونقلبهم } ، أي : في ذلك حال نومهم تقلباً كثيراً بحسب ما ينفعهم كما يكون النائم { ذات } ، أي : في الجهة التي هي صاحبة { اليمين } منهم { وذات الشمال } لينال روح النسيم جميع أبدانهم ولا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث .
تنبيه : اختلف في مقدار مدّة التقليب ، فعن أبي هريرة أنّ لهم في كل عام تقليبتين . وعن مجاهد يمكثون رقوداً على أيمانهم تسع سنين ثم ينقلبون على شمائلهم فيمكثون رقوداً تسع سنين وقيل لهم تقليبة واحدة يوم عاشوراء . قال الرازي : وهذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها ولفظ القرآن لا يدل عليها وما جاء فيه خبر صحيح فكيف يعرف انتهى . ولهذا قلت بحسب ما ينفعهم . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فائدة تقلبهم لئلا تأكل الأرض لحومهم ولا ثيابهم اه . قال الرازي : وهذا أعجب من ذلك لأنه تعالى لما قدر على أن يمسك حياتهم ثلاثمائة سنة وأكثر أفلا يقدر على حفظ أجسادهم من غير تقليب اه . وهذا ليس بعجيب لأنّ القدرة صالحة لذلك وأكثر بحسب العادة ، وأمّا إمساك أرواحهم فهو خرق للعادة فلا يقاس عليه . { وكلبهم باسط ذراعيه } ، أي : يديه ، أي : ملقيهما على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب " .
وقال المفسرون : كان الكلب قد بسط ذراعيه وجعل وجهه عليهما .
تنبيه : باسط اسم فاعل ماض وإنما عمل على حكاية الحال والكسائيّ يعمله ويستشهد بالآية الكريمة وأكثر المفسرين على أنّ الكلب من جنس الكلاب . وروي عن ابن جريج أنه كان أسداً ويسمى الأسد كلباً فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي لهب فقال : «اللهم سلط عليه كلباً من كلابك فافترسه الأسد » . وقال ابن عباس : كان كلباً أغزّ واسمه قطمير وعن عليّ اسمه ريان واختلف في قوله تعالى : { بالوصيد } فقال ابن عباس : هو باب الكهف وقيل العتبة . قال السدي : والكهف لا يكون له باب ولا عتبة ، وإنما أراد موضع الباب والعتبة وقال الزجاج : الوصيد فناء البيت وفناء الدار ، قال الشاعر :
بأرض فضاء لا يسدّ وصيدها *** عليّ ومعروفي بها غير منكر
وقال مجاهد والضحاك : الوصيد الكهف . { لو اطلعت عليهم } بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين ، أي : وهم على تلك الحالة { لوليت منهم } حال وقوع بصرك عليهم { فراراً } لما ألبسهم الله تعالى من الهيبة وجعل لهم من الجلالة تدبيراً منه لما أراد منهم حتى لا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله . { ولملئت منهم رعباً } ، أي : فزعاً ، واختلف في ذلك الرعب كان لماذا ؟ فقال الكلبيّ : لأنّ أعينهم مفتتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم وهم نيام ، وقيل من وحشة الكلام وقيل لكثرة شعورهم وطول أظفارهم وتقلبهم من غير حس كالمستيقظ وقيل : إنّ الله تعالى منعهم بالرعب حتى لا يراهم أحد .
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس قد منع ذلك من هو خير منك { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً } ، فبعث معاوية ناساً فقال : اذهبوا فانظروا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم . وقرأ نافع وابن كثير بتشديد اللام بعد الميم ، والباقون بتخفيفها والسوسي بإبدال الهمزة ياء على أصله وقفاً ووصلاً وحمزة في الوقف فقط . وقرأ ابن عامر والكسائي رعباً بضم العين والباقون بسكونها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.