الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَتَحۡسَبُهُمۡ أَيۡقَاظٗا وَهُمۡ رُقُودٞۚ وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِۖ وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا} (18)

قوله تعالى : { أَيْقَاظاً } : جمعٌ " يَقُظ " بضم القاف ، ويُجمع على يِقاظ . ويَقْظ وأيقاظ كعَضُد وأَعْضاد ، ويَقُظ ويِقاظ كرَجُل ورِجال . وظاهر كلام الزمخشري أنه يقال : " يَقِظ " بالكسر ، لأنه قال : " وأيقاظ جمع " يَقِظ " كأَنْكادِ في " نَكِد " . واليَقَظَةُ : الانتباهُ ضدُّ النوم .

والرُّقود : جمع راقِد كقاعِد وقُعود ، ولا حاجةَ إلى إضمارِ شيءٍ كما قال بعضهم : إنَّ التقديرَ : لو رَأَيْتَهم لَحَسِبْتَهُم أيقاظاً .

قوله : " ونُقِلَّبهم " قرأ العامَّةُ " نُقَلِّبهم " مضارعاً مسنداً للمعظِّمِ نفسَه . وقرئ كذلك بالياء مِنْ تحتُ ، أي : الله أو المَلَك . وقرأ الحسن : " يُقَلِبُهم " بالياءِ من تحتُ ساكنَ القافِ مخففَ اللامِ ، وفاعلُه كما تقدَّم : إمَّا اللهُ أو المَلَكُ . وقرأ أيضاً " وتَقَلُّبَهم " بفتح التاءِ وضمِّ اللامِ مشددةً مصدرَ تَقَلَّبَ " ، كقولِه : { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } [ الشعراء : 219 ] ونصبِ الباء . وخرَّجه أبو الفتحِ على إضمارِ فعلٍ ، أي : ونَرَى تقَلُّبَهم أو نشاهِدُ . ورُوِيَ عنه أيضاً رفعُ الباءِ على الابتداءِ ، والخبرُ الظرفُ بعدَه . ويجوز أن يكونَ محذوفاً ، أي : آيةٌ عظيمة . / وقرأ عكرمةُ " وتَقْلِبُهم " بتاءِ التأنيثِ مضارعَ " قَلَب " مخففاً ، وفاعلُه ضميرُ الملائكةِ المدلولِ عليهم بالسِّياقِ .

قوله : " وكَلْبُهم " العامَّةُ على ذلك . وقرأ جعفر الصادق " كالِبُهم " ، أي : صاحبُ كلبِهم ، كلابِن وتامِر . ونقل أبو عمر الزاهدُ غلامُ ثعلب " وكالِئُهم " بهمزةٍ مضمومةٍ اسمَ فاعلٍ مِنْ كَلأَ يكلأُ : أي : حَفِظَ يَحْفَظُ .

و " باسِط " اسمُ فاعلٍ ماضٍ ، وإنما عَمِلَ على حكاية الحال . والكسائيُّ يُعْمِله ويَسْتشهد بالاية .

والوَصْيدُ : الباب . وقيل : العَتَبة . وقيل : الصَّعيد والتراب . وقيل : الفِناء . وأنشد :

بأرضِ فضاءٍ لا يُسَدُّ وَصِيْدُها *** عليَّ ومعروفي بها غيرُ مُنكَرِ

والعامَّةُ على كسرِ الواوِ مِنْ { لَوِ اطَّلَعْتَ } على أصلِ التقاءِ الساكنين . وقرأها مضمومةً أبو جعفر وشيبةُ ونافعٌ وابنُ وثاب والأعمش تشبيهاً بواوِ الضمير ، وتقدَّم تحقيقُه .

قوله : فِرارا " يجوز أَنْ يكونَ منصوباً على المصدرِ مِنْ معنى الفعل قبلَه ، لأنَّ التوليَّ والفِرار مِنْ وادٍ واحدٍ . ويجوزُ أَنْ يكونَ مصدراً في موضعِ الحال ، أي : فارَّاً ، وتكونُ حالاً مؤكدة ، ويجوز أن يكونَ مفعولاً له .

قوله : " رُعْباً " مفعولٌ ثانٍ . وقيل : تمييز . وقرأ ابنُ كثير ونافعٌ " لَمُلِئْتَ " بالتشديد على التكثيرِ . وأبو جعفر وشيبةُ كذلك إلا أنه بإبدال الهمزةِ ياءً . والزُّهْري بتخفيف اللام والإِبدال ، وهو إبدالٌ قياسيٌّ . وتقدَّم الخلافُ الرعب في آل عمران .