المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

68- وربك يخلق ما يشاء بقدرته ، ويختار بحكمته من يشاء للرسالة والطاعة على مقتضى علمه باستعدادهم لذلك ، ولم يكن في مقدور الخلق ولا من حقهم أن يختاروا على الله ما يشاءون من أديان باطلة وآلهة زائفة ، تنزَّه الله - تعالى شأنه - عن الشركاء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

44

ثم يرد أمرهم وأمر كل شيء إلى إرادة الله واختياره ، فهو الذي يخلق كل شيء ، ويعلم كل شيء ، وإليه مرد الأمر كله في الأولى والآخرة ، وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم في الدنيا وله الرجعة والمآب . وما يملكون أن يختاروا لأنفسهم ولا لغيرهم ، فالله يخلق ما يشاء ويختار :

( وربك يخلق ما يشاء ويختار ، ما كان لهم الخيرة ، سبحان الله وتعالى عما يشركون . وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون . وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة ، وله الحكم وإليه ترجعون ) . .

وهذا التعقيب يجيء بعد حكاية قولهم : ( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا )وبعد استعراض موقفهم يوم الحساب على الشرك والغواية . . يجيء لتقرير أنهم لا يملكون الاختيار لأنفسهم فيختاروا الأمن أو المخافة ! ولتقرير وحدانية الله ورد الأمر كله إليه في النهاية .

( وربك يخلق ما يشاء ويختار . ما كان لهم الخيرة ) . .

إنها الحقيقة التي كثيرا ما ينساها الناس ، أو ينسون بعض جوانبها . إن الله يخلق ما يشاء ؛ لا يملك أحد أن يقترح عليه شيئا ولا أن يزيد أو ينقص في خلقه شيئا ، ولا أن يعدل أو يبدل في خلقه شيئا . وإنه هو الذي يختار من خلقه ما يشاء ومن يشاء لما يريد من الوظائف والأعمال والتكاليف والمقامات ؛ ولا يملك أحد أن يقترح عليه شخصا ولا حادثا ولا حركة ولا قولا ولا فعلا . . ( ما كان لهم الخيرة )لا في شأن أنفسهم ولا في شأن غيرهم ، ومرد الأمر كله إلى الله في الصغير والكبير . .

هذه الحقيقة لو استقرت في الأخلاد والضمائر لما سخط الناس شيئا يحل بهم ، ولا استخفهم شيء ينالونه بأيديهم ، ولا أحزنهم شيء يفوتهم أو يفلت منهم . فليسوا هم الذين يختارون ، إنما الله هو الذي يختار .

وليس معنى هذا أن يلغوا عقولهم وإرادتهم ونشاطهم . ولكن معناه أن يتقبلوا ما يقع - بعد أن يبذلوا ما في وسعهم من التفكير والتدبير والاختيار - بالرضى والتسليم والقبول . فإن عليهم ما في وسعهم والأمر بعد ذلك لله .

ولقد كان المشركون يشركون مع الله آلهة مدعاة ؛ والله وحده هو الخالق المختار لا شريك له في خلقه ولا في اختياره . .

( سبحان الله وتعالى عما يشركون ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللّهِ وَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وَرَبّكَ يا محمد يَخْلُقُ ما يَشاءُ أن يخلقه ، ويَخْتارُ لولايته الخِيَرة من خلقه ، ومن سبقت له منه السعادة . وإنما قال جلّ ثناؤه ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الخِيرَةُ والمعنى : ما وصفت ، لأن المشركين كانوا فيما ذُكِر عنهم يختارون أموالَهم ، فيجعلونها لاَلهتهم ، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وربك يا محمد يخلق ما يشاء أن يخلقه ، ويختار للهداية والإيمان والعمل الصالح من خلقه ، ما هو في سابق علمه أنه خِيَرَتهم ، نظير ما كان من هؤلاء المشركين لاَلهتهم خيار أموالهم ، فكذلك اختياري لنفسي . واجتبائي لولايتي ، واصطفائي لخدمتي وطاعتي ، خيارَ مملكتي وخلقي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنِي عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَرَبّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الخِيرَةُ قال : كانوا يجعلون خَيْر أموالهم لاَلهتهم في الجاهلية .

فإذا كان معنى ذلك كذلك ، فلا شكّ أن «ما » من قوله : ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الخِيرَةُ في موضع نصب ، بوقوع يختار عليها ، وأنها بمعنى الذي .

فإن قال قائل : فإن كان الأمر كما وصفت ، من أن «ما » اسم منصوب بوقوع قوله يَخْتارُ عليها ، فأين خبر كان ؟ فقد علمت أن ذلك إذا كان كما قلت ، أن في كان ذِكْرا من ما ، ولا بدّ لكان إذا كان كذلك من تمام ، وأين التمام ؟ قيل : إن العرب تجعل لحروف الصفات إذا جاءت الأخبار بعدها أحيانا ، أخبارا ، كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها . ذَكر الفرّاء أن القاسمَ بن مَعْن أنشده قول عنترة :

أمِنْ سُمَيّةَ دَمْعُ العَيْنِ تَذْرِيفُ *** لَوْ كانَ ذا مِنْكِ قبلَ اليوْمِ مَعْرُوفُ

فرفع معروفا بحرف الصفة ، وهو لا شكّ خبر لذا ، وذُكر أن المفَضّل أنشده ذلك :

*** لوْ أنّ ذا مِنْكِ قبلَ اليَوْمِ مَعْرُوفُ ***

ومنه أيضا قول عمر بن أبي ربيعة :

قُلْتُ أجيبِي عاشِقا *** بِحُبّكُمْ مُكَلّفُ

فِيها ثَلاث كالدّمَى *** وكاعِبٌ ومُسْلِفُ

فمكلّف من نعت عاشق ، وقد رفعه بحرف الصفة ، وهو الباء ، في أشباه لما ذكرنا بكثير من الشواهد ، فكذلك قوله : ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الخِيرَةُ رُفعت الخِيَرة بالصفة ، وهي لهم ، وإن كانت خبرا لما ، لما جاءت بعد الصفة ، ووقعت الصفة موقع الخبر ، فصار كقول القائل : كان عمرو أبوه قائم ، لا شكّ أن قائما لو كان مكان الأب ، وكان الأب هو المتأخر بعده ، كان منصوبا ، فكذلك وجه رفع الخِيَرة ، وهو خبر لما .

فإن قال قائل : فهل يجوز أن تكون «ما » في هذا الموضع جَحْدا ، ويكون معنى الكلام : وربك يخلق ما يشاء أن يخلقه ، ويختار ما يشاء أن يختاره ، فيكون قوله ويخْتارُ نهاية الخبر عن الخلق والاختيار ، ثم يكون الكلام بعد ذلك مبتدأ بمعنى : لم تكن لهم الخيرة : أي لم يكن للخلق الخِيَرة ، وإنما الخِيَرة لله وحده ؟

قيل : هذا قول لا يخفى فساده على ذي حِجا ، من وجوه ، لو لم يكن بخلافه لأهل التأويل قول ، فكيف والتأويل عمن ذكرنا بخلافه فأما أحد وجوه فَساده ، فهو أن قوله : ما كانَ لَهُمُ الخيرَةُ لو كان كما ظنه من ظنه ، من أن «ما » بمعنى الجحد ، على نحو التأويل الذي ذكرت ، كان إنما جحد تعالى ذكره ، أن تكون لهم الخِيَرة فيما مضى قبل نزول هذه الاَية ، فأما فيما يستقبلونه فلهم الخِيَرة ، لأن قول القائل : ما كان لك هذا ، لا شكّ إنما هو خبر عن أنه لم يكن له ذلك فيما مضى . وقد يجوز أن يكون له فيما يستقبل ، وذلك من الكلام لا شكّ خُلْف . لأن ما لم يكن للخلق من ذلك قديما ، فليس ذلك لهم أبدا . وبعد ، لو أريد ذلك المعنى ، لكان الكلام : فليس . وقيل : وربك يخلق ما يشاء ويختار ، ليس لهم الخيرة ، ليكون نفيا عن أن يكون ذلك لهم فيما قبلُ وفيما بعد .

والثاني : أن كتاب الله أبين البيان ، وأوضح الكلام ، ومحال أن يوجد فيه شيء غير مفهوم المعنى ، وغير جائز في الكلام أن يقال ابتداء : ما كان لفلان الخِيَرة ، ولما يتقدم قبل ذلك كلام يقتضي ذلك فكذلك قوله : «ويَخْتارُ ، ما كانَ لَهُمُ الخِيَرةُ » ولم يتقدم قبله من الله تعالى ذكره خبر عن أحد ، أنه ادّعى أنه كان له الخِيَرة ، فيقال له : ما كان لك الخِيَرة ، وإنما جرى قبله الخبر عما هو صائر إليه أمر من تاب من شركه ، وآمن وعمل صالحا ، وأتبع ذلك جلّ ثناؤه الخبر عن سبب إيمان من آمن وعمل صالحا منهم ، وأن ذلك إنما هو لاختياره إياه للإيمان ، وللسابق من علمه فيه اهتدى . ويزيد ما قلنا من ذلك إبانة قوله : وَرَبّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ فأخبر أنه يعلم من عباده السرائر والظواهر ، ويصطفي لنفسه ويختار لطاعته من قد علم منه السريرة الصالحة ، والعلانية الرضية .

والثالث : أن معنى الخيرة في هذا الموضع : إنما هو الخيرة ، وهو الشيء الذي يختار من البهائم والأنعام والرجال والنساء ، يقال منه : أُعطي الخيرة والخِيرَة ، مثل الطّيرة والطّيْرَة ، وليس بالاختيار ، وإذا كانت الخيرة ما وصفنا ، فمعلوم أن من أجود الكلام أن يقال : وربك يخلق ما يشاء ، ويختار ما يشاء ، لم يكن لهم خير بهيمة أو خير طعام ، أو خير رجل أو امرأة .

فإن قال : فهل يجوز أن تكون بمعنى المصدر ؟ قيل : لا ، وذلك أنها إذا كانت مصدرا كان معنى الكلام : وربك يخلق ما يشاء ويختار كون الخيرة لهم . وإذا كان ذلك معناه ، وجب أن لا تكون الشرار لهم من البهائم والأنعام وإذا لم يكن لهم شرار ذلك وجب أن لا يكون لها مالك ، وذلك ما لا يخفى خطؤه ، لأن لخيارها ولشرارها أربابا يملكونها بتمليك الله إياهم ذلك ، وفي كون ذلك كذلك فساد توجيه ذلك إلى معنى المصدر .

وقوله سبحانه وتعالى : عَمّا يُشْرِكُونَ يقول تعالى ذكره تنزيها لله وتبرئة له ، وعلوّا عما أضاف إليه المشركون من الشرك ، وما تخرّصوه من الكذب والباطل عليه . وتأويل الكلام : سبحان الله وتعالى عن شركهم . وقد كان بعض أهل العربية يوجهه إلى أنه بمعنى : وتعالى عن الذي يشركون به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

{ وربك يخلق ما يشاء ويختار } لا موجب عليه ولا مانع له . { ما كان لهم الخيرة } أي التخير كالطيرة بمعنى التطير ، وظاهره نفي الاختيار عنهم رأسا والأمر كذلك عند التحقيق ، فإن اختيار العباد مخلوق باختيار الله منوط بدواع لا اختيار لهم فيها ، وقيل المراد أنه ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ولذلك خلا عن العاطف ، ويؤيده ما روي أنه نزل في قولهم { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } . وقيل { ما } موصولة مفعول ل{ يختار } والراجع إليه محذوف والمعنى : ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة أي الخير والصلاح . { سبحان الله } تنزيه له أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره اختيار . { وتعالى عما يشركون } عن إشراكهم أو مشاركة ما يشركونه .