قوله : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } نزلت هذه الآية جواباً للمشركين حين قالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ، يعني الوليد بن المغيرة ، أو عروة بن مسعود الثقفي ، أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختيارهم{[40683]} .
قوله : { مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة } فيه وجوه :
أحدها : أنَّ ما نافية ، فالوقف على «يَخْتَارُ »{[40684]} .
والثاني : ما مصدرية أي يختار اختيارهم ، والمصدر{[40685]} واقع موقع المفعول ، أي مختارهم{[40686]} .
الثالث : أن يكون بمعنى «الذي » والعائد محذوف ، أي ما كان لهم الخيرة فيه{[40687]} كقوله : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور } [ الشورى : 43 ] أي منه{[40688]} ، وجوَّز ابن عطية أن تكون كان تامة ، ولهم الخيرة جملة مستأنفة ، قال : ويتجه عندي أن يكون ما مفعول إذا قدَّرنا كان{[40689]} التامة ، أي : إن الله يختار كلَّ كائن ، ولهم الخيرة مستأنف معناه : تعديد النعم عليهم في اختيار الله لهم لو قبلوا{[40690]} . وجعل بعضهم{[40691]} في كان ضمير الشأن ، وأنشد :
4014 - أمِنْ سُمَيَّةَ دَمْعُ العَيْنِ تَذْرِيفُ *** لَوْ كَانَ ذَا مِنْكَ قَبْلَ اليَوْم مَعْرُوفُ{[40692]}
ولو كان ذا اسمها لقال معروفاً ، وابن عطية منع ذلك في الآية ، قال : لأن تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف{[40693]} ، كأنه يريد أن الجار متعلق بمحذوف وضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزئيها{[40694]} إلا أنَّ في هذا نظراً{[40695]} إن أراده ، لأن هذا الجار قائم مقام الخبر ولا أظن أحداً يمنع : هو السلطان في البلد ، وهي الدار ، والخيرة : من التخير كالطيرة من التطير فيستعملان استعمال المصدر{[40696]} ، وقال الزمخشري { مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة } بيان لقوله «وَيَخْتَارُ » ، لأن معناه : ويختار ما يشاء ولهذا لم يدخل العاطف ، والمعنى أن الخيرة لله في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة{[40697]} فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه{[40698]} .
قال شهاب الدين : لم يزل الناس يقولون : إن الوقف على «يَخْتَار » والابتداء بما{[40699]} على أنها نافية هو مذهب أهل السنة{[40700]} ، ونقل ذلك عن جماعة كأُبيٍّ وغيره{[40701]} ، وأن كونها موصولة متصلة «يَخْتَارُ » غير موقوف عليه هو مذهب المعتزلة ، وهذا الزمخشري قد قرر كونها نافية وحصل غرضه في كلامه وهو موافق لكلام أهل السنة ظاهراً وإن كان لا يريده ، وهذا الطبري من كبار أهل السنة منع أن تكون نافية ، قال : لئلا يكون المعنى : أنه إن لم يكن لهم الخيرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل ، وأيضاً فلم يتقدم نفي{[40702]} ، وهذا الذي قاله ابن جرير{[40703]} مرويّ عن ابن عباس{[40704]} ، وقال بعضهم : ويختار لهم ما يشاؤه من الرسل ف «ما » على هذا واقعة على العقلاء{[40705]} .
إن قيل : «ما » للإثبات فمعناه : ويختار الله ما كان لهم الخيرة ، أي : يختار ما هو الأصلح والخير ، وإن قيل : ما للنفي أي : ليس إليهم الاختيار ، أو ليس لهم أن يختاروا على الله كقوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ }{[40706]} [ الأحزاب : 36 ] ثم قال منزِّهاً نفسه سبحانه وتعالى «عَمَّا يُشْرِكُونَ » أي : إن الخلق والاختيار والإعزاز والإذلال مفوض إليه ليس لأحد فيه شركة ومنازعة
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.