فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

{ وربك يخلق ما يشاء } أن يخلقه ، وفيه دلالة على خلق الأفعال { ويختار } ما يشاء أن يختار ، لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون ، وهذا متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم واختاروهم ، أي : الاختيار إلى الله .

{ ما كان لهم الخيرة } أي التخير ، وهو كالطيرة فإنها التطير ؛ اسمان يستعملان المصدر وبمعنى المتخير كقولهم : محمد خيرة الله من خلقه . وقيل : المراد من الآية أنه ليس لأحد من خلق الله أن يختار شيئا اختيارا حقيقيا بحيث يقدم تنفيذه بدون اختيار الله ، بل الاختيار هو إلى الله عز وجل ، يختار لطاعته أو لنبوته ، أو المعنى يخلق محمدا ويختار الأنصار لدينه ، وقيل : اختار من النعم ضأنا ، ومن الطير الحمام ، ولا وجه للتخصيص . والعموم أولى .

وظاهر الآية نفي الاختيار عنهم رأسا ، والأمر كذلك ، فإن اختيار العباد مخلوق باختيار الله ، منوط بدواع لا اختيار لهم فيها ، وقيل : إن هذه الآية جواب عن قولهم : { لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } وقيل : جواب عن اليهود حيث قالوا : لو كان الرسول إلى محمد صلى الله عليه وسلم غير جبريل لآمنا به .

قال الزجاج : الوقف على ( ويختار ) تام على أن ( ما ) نافية قال : ويجوز أن يكون ( ما ) في موضع نصب ب ( يختار ) والمعنى يختار الذي كان لهم فيه الخيرة ، والصحيح الأول لإجماعهم على الوقف ، وقال ابن جرير : إن تقدير الآية ويختار لولايته الخيرة من خلقه . وهذا في غاية من الضعف ، وجوز ابن عطية أن تكون ( كان ) تامة ويكون ( لهم الخيرة ) جملة مستأنفة . وهذا أيضا بعيدا جدا ، ومن قال معناه ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح ، فهم مائل إلى الاعتزال ، وقيل : إن ( ما ) مصدرية ، أي يختار اختيارهم ، والمصدر واقع موقع المفعول به ، أي يختار مختارهم ، وهذا كالتفسير للكلام ابن جرير والراجح أول هذه التفاسير ، ومثله قوله سبحانه : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة } وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح تعليم الاستخارة ، وكيفية صلاتها ودعائها ، فلا نطول بذكرها ، ثم نزه سبحانه نفسه فقال :

{ سبحان الله } أي تنزه تنزها خاصا به ، من غير أن ينازعه منازع ، أو يشاركه مشارك ، أو يزاحم اختياره { وتعالى عما يشركون } أي عن الذين يجعلونهم شركاء له