فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء } أي يخلقه { وَيَخْتَارُ } ما يشاء أن يختاره . { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] وهذا متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم واختاروهم ، أي الاختيار إلى الله { مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة } أي التخير ، وقيل : المراد من الآية : أنه ليس لأحد من خلق الله أن يختار ، بل الاختيار هو إلى الله عزّ وجلّ .

وقيل : إن هذه الآية جواب عن قولهم : { لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] وقيل : هذه الآية جواب عن اليهود حيث قالوا : لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به .

قال الزجاج : الوقف على { ويختار } تام على أن { ما } نافية . قال : ويجوز أن تكون { ما } في موضع نصب ب { يختار } ، والمعنى : ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة . والصحيح الأوّل لإجماعهم على الوقف . وقال ابن جرير : إن تقدير الآية : ويختار لولايته الخيرة من خلقه ، وهذا في غاية من الضعف . وجوّز ابن عطية أن تكون «كان » تامة ، ويكون لهم الخيرة جملة مستأنفة . وهذا أيضاً بعيد جداً . وقيل : إن «ما » مصدرية ، أي : يختار اختيارهم ، والمصدر واقع موقع المفعول به ، أي ويختار مختارهم ، وهذا كالتفسير لكلام ابن جرير ، والراجح أوّل هذه التفاسير ، ومثله قوله سبحانه : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة } [ الأحزاب : 36 ] والخيرة : التخير كالطيرة فإنها التطير ، اسمان يستعملان استعمال المصدر ، ثم نزّه سبحانه نفسه ، فقال : { سبحان الله } أي تنزّه تنزّهاً خاصاً به من غير أن ينازعه منازع ، ويشاركه مشارك { وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي عن الذين يجعلونهم شركاء له ، أو عن إشراكهم .

/خ70