الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } وهذا جواب لقول الوليد بن المغيرة :

{ لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] أخبر الله سبحانه أنّه لا يبعث الرسل باختيارهم .

وهذا من الجواب المفصول ، وللقراء في هذه الآية طريقان :

أحدهما : أن يمرّ على قوله : { وَيَخْتَارُ } ، { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } ويجعل ( ما ) إثباتاً بمعنى الذي ، أي ويختار لهم ما هو الأصلح والخير .

والثاني : أن يقف على قوله : { وَيَخْتَارُ } ويجعل ما نفياً أي ليس إليهم الاختيار ، وهذا القول أصوب وأعجب إليّ كقوله سبحانه :

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [ الأحزاب : 36 ] ، وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب ، قال : أنشدني أبو جعفر محمد بن صالح ، قال : أنشدنا حماد بن علي البكراوي لمحمود بن الحسن الوراق :

توكل على الرحمن في كلّ حاجة *** أردت فإنّ الله يقضي ويقدر

إذا ما يردْ ذو العرش أمراً بعبده *** يصبْه وما للعبد ما يتخيّر

وقد يهلك الإنسان من جه حذره *** وينجو بحمد الله من حيث يحذر

وأنشدني الحسين بن محمد ، قال : أنشدني أبو الفوارس حنيف بن أحمد بن حنيف الطبري :

العبد ذو ضجر والربّ ذو قدر *** والدهر ذو دول والرزق مقسوم

والخير أجمع فيما اختار خالقنا *** وفي اختيار سواه اللؤم والشوم

روى سعيد بن المسيب ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ الله عز وجل اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين ، واختار من أصحابي أربعة : أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي " رضوان الله عليهم أجمعين " فجعلهم خير أصحابي ، وفي كلّ أصحابي خير ، واختار أُمتي على سائر الأمم ، واختار لي من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي : القرون الأول والثاني والثالث تترى والرابع فردي " .

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شيبة ، قال : حدّثنا جعفر بن أحمد الواسطي ، قال : حدّثنا محمد بن عبيد قال : حدّثنا يوسف بن يعقوب السلمي ، قال : حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن وهب بن منبه ، عن أخيه في قوله : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } قال : اختار من الغنم الضأن ومن الطير الحمام .

{ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }