الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

ثم قال تعالى{[54090]} : { وربك يخلق ما يشاء ويختار }[ 68 ] ، أي يخلق ما يريد ، ويختار الرسل ، { ما كان لهم الخيرة } أي ليس يرسل{[54091]} الرسل باختيارهم : أي باختيار المشركين ، فالوقف{[54092]} على هذا المعنى { ويختار }[ 68 ] ، و " ما " {[54093]} نافية .

قال علي بن سليمان{[54094]} : لا يجوز أن تكون " ما " في موضع نصب ، لأنه لا عائد عليها{[54095]} . وفي كون ما للنفي رد على القدرية ، ولو كانت " ما " في موضع نصب لكان ضميرها اسم كان ، في كان مضمرا ، وللزم نصب{[54096]} { الخيرة }[ 68 ] ، على خبر كان .

وأجاز الزجاج{[54097]} : أن تكون " ما " في موضع نصب بيختار وتقدر حذفا{[54098]} من الكلام ، والتقدير : ويختار الذي{[54099]} كان لهم فيه الخيرة ، فلإتمام على هذا القول على و{ يختار } ، ولا يوقف إلا على { الخيرة } وجعل " ما " نافية ، والوقف على { ويختار }{[54100]} . وهو مذهب أكثر العلماء .

وكان الطبري ينكر أن تكون " ما " نافية ، ولا يحسن عنده أن تكون " ما " إلا في موضع نصب بمعنى الذي ، والتقدير عنده{[54101]} : ويختار لولاية الخيرة من خلقه من{[54102]} سبقت له منه السعادة ، وذلك أن المشركين كانوا يختارون خيار أموالهم ، فيجعلونها لآلهتهم . فقال الله : وربك يا محمد { يخلق ما يشاء }[ 68 ] ، أن يخلقه ، ويختار للهداية من خلقه من سبق له في علمه{[54103]} . السعادة ، نظير ما{[54104]} كان من اختيار هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم{[54105]} وقد قال ابن عباس في الآية : كانوا يجعلون لآلهتهم خيار أموالهم{[54106]} .

فالطبري : يجعل " ما " لمن يعقل بمعنى " الذي " {[54107]} ويقدر رفع " الخيرة " بالابتداء { لهم الخيرة } ، والجملة خبر كان وشبهه بقولك{[54108]} : " كان زيد أبوه منطلق " وهذا كلام لا وجه له ولا معنى لأنه عائد يعود على اسم كان ، فإن قدرت فيه محذوفة جاز على بعد ، وكان هو خبر " الخيرة " ، ولهم . ملغى وأحال الطبري كون " ما " للنفي لأنها لو كانت للنفي لكان المعنى : أنه لم تكن لهم{[54109]} الخيرة فيما مضى قبل نزول الآية ، ولهم ذلك فيما يستقبلون ، لأنك إذا قلت : " ما كان لك هذا " كان معنى الكلام : لم يكن فيما مضى وقد يكون له فيما يستقبل .

قال أبو محمد مؤلفه رضي الله عنه{[54110]} : وهذا لا يلزم ، بل هي نفي عام في الماضي والمستقبل ، وقد أجمع أهل اللغة على أن " ما " تنفي{[54111]} الحال والاستقبال كليس . ولذلك عملت عملها . دليله : قوله تعالى{[54112]} : { ما كان لهم{[54113]} أن يدخلوها إلا خائفين }{[54114]} . وقوله : { ما{[54115]} كان على النبيء من حرج فيما فرض الله له }{[54116]} فهذا نفي عام في الماضي والمستقبل ، ولو كان الأمر على ما أصل الطبري لكان لهم دخولها فيما يستقبل غير{[54117]} خائفين ، ولكان على{[54118]} النبي الحرج فيما فرض الله له فيما يستقبل ، وهذا كثير في القرآن على خلاف ما تأول الطبري وأحاله أيضا ، لأنه لم يتقدم كلام يكون هذا نفي له ، وهذا لا يلزم لأن الآي{[54119]} إنما كانت تتنزل على ما يسأل النبي عليه السلام{[54120]} عنه وعلى ما هم عليه مصرون من الأعمال السيئة . وعلى ذلك أكثر آي القرآن ، فلا يلزم أن يكون قبل كل آية تفسير ما نزلت فيه ومن أجله .


[54090]:"تعالى" سقطت من ز.
[54091]:"يرسل" سقطت من ز.
[54092]:انظر: المكتفى ص439، ومنار الهدى ص213.
[54093]:انظر: المشكل 2/163-164، وإعراب القرآن للدرويش7/365.
[54094]:انظر: القرطبي13/305.
[54095]:ز: عليه.
[54096]:ز: ونصب.
[54097]:انظر: معاني الزجاج4/151-152.
[54098]:ز: حذف.
[54099]:ز: الذين.
[54100]:انظر: ص517 من التحقيق.
[54101]:ز: عندي.
[54102]:ز: ومن.
[54103]:بعده في ز: "في".
[54104]:ز: من.
[54105]:انظر: ابن جرير20-100-101-102.
[54106]:انظر: ابن جرير20/100، وزاد المسير 6/237.
[54107]:بعده في ز: ويعقل.
[54108]:ز: شبه بقولك.
[54109]:"لهم" سقطت من ز.
[54110]:هو مكي بن أبي طالب رحمه الله تعالى.
[54111]:ز: لنفي.
[54112]:"تعالى" سقطت من ز.
[54113]:بعدها في ز: الخيرة. وهو تحريف.
[54114]:البقرة: 113.
[54115]:ز: وما.
[54116]:الأحزاب: 38.
[54117]:من "غير خائفين...يستقبل" ساقط من ز.
[54118]:بعد "لكان" في ع: كلمة ملحقة بالهامش لم أتمكن من قراءتها، ولعلها "على".
[54119]:ز: الآية.
[54120]:ز: صلى الله عليه وسلم.