تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

62

المفردات :

الخيرة : الاختيار .

التفسير :

68-{ وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون } .

اختار المشركون آلهة باطلة ، وتمنوا أن يكون الرسول أحد زعماء مكة أو الطائف ، { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] يقصدون الوليد بن المغيرة بمكة ، أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف ، فأنزل الله هذه الآيات توضح أن الخلق بيده ، والاختيار بيده ، واختيار الرسل للبشر ، أو اختيار الملائكة للنزول بالوحي أمر بمشيئة الله تعالى ، واختياره وحكمته ، على مقتضى علمه باستعداد عباده لذلك ، فليس من حق العباد ولا في مقدورهم أن يختاروا على الله ما يشاءون من أديان باطلة وآلهة زائفة .

{ سبحان الله وتعالى عما يشركون }

أي : تنزه الله تعالى بذاته تنزها خاصا به ، من أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره ، وتقدس وتمجد عن إشراكهم .

قال الزمخشري : إن الاختيار إلى الله تعالى في أفعاله ، وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ، ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ، ولا يبعث الله الرسل باختيار المرسل إليهم . اه .

وفي معنى الآية قوله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . . } [ الأحزاب : 36 ] .

قال الشاعر :

العبد ذو ضجر والربّ ذو قدر والدهر ذو دول والرزق مقسومُ

والخير أجمع فيما اختار خالقنا وفي اختيار سواه اللّوم والشّوم

وروت عائشة ، عن أبي بكر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أمرا قال : ( اللهم خر لي واختر لي )xxv .

وروى أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يا أنس ، إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ، ثم انظر إلى ما يسبق إليه قلبك ، فإن الخير فيه )xxvi .

فالله تعالى هو وحده العليم ، وهو سبحانه عالم الغيب ، والمؤمن يصلي الاستخارة ويدعو بدعائها ، الذي ورد في صحيحي البخاري ومسلم .

عن جابر بن عبد الله قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : ( إذا هم أحدكم بالأمر لا يدري عاقبته فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، واستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر [ ويسمي حاجته ] خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري عاجله وآجله ، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري عاجله وآجله ، فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم رضّني به )xxvii .

قال العلماء : وينبغي له أن يفرغ قلبه من جميع الخواطر ، ومن رغبة له في الموضوع قبل الاستخارة أو رغبة عنه ، حتى لا يكون مائلا إلى أمر من الأمور ، فعند ذلك ما يسبق إلى قلبه يعمل عليه فإن الخير فيه إن شاء الله ، فإن وجد انشراحا وشرورا وارتياحا فالأمر خير ، وإن وجد انقباضا وضيقا فالأمر شر .