( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس ، سواء العاكف فيه والباد . ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) . .
وكان ذلك فعل المشركين من قريش : أن يصدوا الناس عن دين الله - وهو سبيله الواصل إليه ، وهو طريقه الذي شرعه للناس ، وهو نهجه الذي اختاره للعباد - وأن يمنعوا المسلمين من الحج والعمرة إلى المسجد الحرام - كما فعلوا عام الحديبية - وهو الذي جعله الله للناس منطقة أمان ودار سلام ، وواحة اطمئنان . يستوي فيه المقيم بمكة والطارئ عليها . فهو بيت الله الذي يتساوى فيه عباد الله ، فلا يملكه أحد منهم ، ولا يمتاز فيه أحد منهم : ( سواء العاكف فيه والباد ) .
ولقد كان هذا النهج الذي شرعه الله في بيته الحرام سابقا لكل محاولات البشر في إيجاد منطقة حرام . يلقى فيها السلاح ، ويأمن فيها المتخاصمون ، وتحقن فيها الدماء ، ويجد كل أحد فيها مأواه . لا تفضلا من أحد ، ولكن حقا يتساوى فيه الجميع .
ولقد اختلفت أقوال الفقهاء في جواز الملكية الفردية لبيوت مكة غير المسكونة بأهلها . وفي جواز كراء هذه البيوت عند من أجاز ملكيتها . . فذهب الشافعي رحمه الله - إلى أنها تملك وتورث وتؤجر محتجا بما ثبت من أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اشترى من صفوان بن أمية دار بمكة بأربعة آلاف درهم فجعلها سجنا . وذهب إسحاق بن راهويه - رحمه الله - إلى أنها لا تورث ولا تؤجر ، وقال : توفى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأبو بكر وعمر ، وما تدعى رباع مكة [ جمع ربع ] إلا السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن . وقال عبد الرزاق عن مجاهد عن أبيه عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - أنه قال : لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها . وقال أيضا عن ابن جريج : كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم . وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن تبويب دور مكة لأن ينزل الحاج في عرصاتها . فكان أول من بوب سهيل بن عمرو ، فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك ، فقال : أنظرني يا أمير المؤمنين إني كنت امرأ تاجرا ، فأردت أن اتخذ لي بابين يحبسان لي ظهري [ أي ركائبي ] قال : فلك ذلك إذن . وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال : يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث يشاء . . وتوسط الإمام أحمد - رحمه الله - فقال : تملك وتورث ولا تؤجر . جمعا بين الأدلة .
وهكذا سبق الإسلام سبقا بعيدا بإنشاء واحة السلام ، ومنطقة الأمان ، ودار الإنسان المفتوحة لكل إنسان !
والقرآن الكريم يهدد من يريد اعوجاجا في هذا النهج المستقيم بالعذاب الأليم : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم تذقه من عذاب أليم ) . . فما بال من يريد ويفعل ? إن التعبير يهدد ويتوعد على مجرد الإرادة زيادة في التحذير ، ومبالغة في التوكيد . وذلك من دقائق التعبير .
ومن دقائق التعبير كذلك أن يحذف خبر إن في الجملة : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام . . . )فلا يذكرهم ما لهم ? ما شأنهم ? ما جزاؤهم كأن مجرد ذكر هذا الوصف لهم يغني عن كل شيء آخر في شأنهم ، ويقرر أمرهم ومصيرهم !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.