{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ } فعطف بالمستقبل على الماضي لأنّ الصدّ بمعنى دوام الصفة لهم ، ومعنى الآية : وهم يصدّون ومن شأنهم الصدّ ، نظيرها قوله
{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ } [ الرعد : 28 ] وقيل : لفظه مستقبل ، ومعناه الماضي ، أي : وصدّوا عن سبيل الله { وَالْمَسْجِدِ } يعني عن المسجد { الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ } خلقناه وبنيناه { لِلنَّاسِ } كلّهم لم نخصّ منهم بعضاً دون بعض { سَوَآءً الْعَاكِفُ } المقيم { فِيهِ وَالْبَادِ } الطاري المنتاب إليه من غيره .
وقرأ عاصم برواية حفص ويعقوب برواية روح : سواء بالنصب بإيقاع الجعل عليه لأنّ الجعل يتعدّى إلى مفعولين .
وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وما بعده خبره . وتمام الكلام عند قوله { لِلنَّاسِ } .
واختلف العلماء في معنى الآية : فقال قوم : سواء العاكف فيه والباد في تعظيم حرمته وقضاء النسك به وحقّ الله الواجب عليهما فيه ، وإليه ذهب مجاهد .
وقال آخرون : هما سواء في النزول به فليس أحدهما بأحقّ يكون فيه من الآخر . وحرّموا بهذه الآية كراء دور مكّة وكرهوا إجارتها في أيام الموسم .
قال عبد الله بن عمر : سواء أكلت محرماً أو كراء دار مكة .
وقال عبد الرَّحْمن بن سابط : كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة بأحقّ بمنزله منهم فكان الرجل إذا وجد سعة نزل ، ففشا فيهم السرق ، وكلّ إنسان يسرق من ناحيته فاصطنع رجل باباً فأرسل إليه عمر : اتخذت باباً من حجاج بيت الله ؟ فقال : لا ، إنّما جعلته ليحترز متاعهم وهو قوله { سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } .
قال : البادي فيه كالمقيم ليس أحد أحقّ بمنزله من أُحد إلاّ أن يكون سبق إلى منزل ، وإلى هذا القول ذهب ابن عباس وابن جبير وابن زيد وباذان قالوا : هما سواء في البيوت والمنازل ، والقول الأول أقرب إلى الصواب .
أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسن بقراءتي عليه قال : حدَّثنا صفوان بن الحسين قال : حدَّثنا أبو محمد بن أبي حاتم قال : سمعت أبا إسماعيل الترمذي بمكة سنة ستين ومائتين قال : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : جالست الشافعي بمكة فتذاكرنا في كراء بيوت مكة ، وكان يرخّص فيه ، وكنت لا أرخّص فيه ، فذكر الشافعي حديثاً وسكت ، وأخذت أنا في الباب ، أسرد فلمّا فرغت منه قلت لصاحب لي من أهل مرو بالفارسية : مرد كما لاني هست قرية بمرو ، فعلم أني راطنت صاحبي بشيء هجّنته فيه ، فقال لي : أتناظر ؟ قلتُ : وللمناظرة جئت ، فقال : قال الله سبحانه وتعالى { فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } نسب الديار إلى مالكيها أو غير مالكيها . ؟
وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن وهل ترك عقيل لنا من رباع " ؟نسب الدار إلى أربابها أو غير أربابها وقال لي : اشترى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه دار السجن من مالك أو غير مالك ؟ فلمّا علمت أنّ الحجة لزمتني قمت .
{ وَمَن يُرِدْ فِيهِ } أي في المسجد الحرام { بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } يعني إلحاداً بظلم وهو الميل إلى الظلم ، والباء فيه زائدة كقوله : تنبت بالدهن أي تنبت الدهن .
قال الفرّاء : وسمعت أعرابياً من ربيعة وسألته عن شيء فقال : أرجو بذلك يريد أرجو ذلك .
بواد يمان ينبت الشت صدره *** وأسفله بالمرخ والشبهان
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا *** بين المراجل والصريح الأجرد
بمعنى ضمنت رزق عيالنا أرماحنا وقال آخر :
ألم يأتيك والأنباء تنمي *** بما لاقت لبون بني زياد
واختلفوا في معنى الآية ، فقال مجاهد وقتادة { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } هو الشرك أن يعبد فيه غير الله سبحانه وتعالى .
وقال آخرون : هو استحلال الحرام وركوب الآثام فيه .
قال ابن مسعود : ما من رجل يهمّ بسيّئة فيكتب عليه ، ولو أنّ رجلاً بعدن أو ببلد آخر يهمّ أن يقتل رجلاً بمكّة ، أو يهمّ فيها بسيّئة ولم يعملها إلاّ أذاقه الله العذاب الأليم .
وقال ابن عباس : هو أن تقتل فيه ما لا يقتلك ، أو تظلم من لا يظلمك ، وهذا القول معنى قول الضحاك وابن زيد .
أخبرنا أحمد بن أُبي قال : أخبرنا المغيرة بن عمرو قال : حدَّثنا المفضل بن محمد قال : حدَّثنا محمد بن يوسف قال : حدَّثنا أبو قرّة قال : ذكر سفيان عن ليث عن مجاهد أنّه قال : تُضاعف السيئات بمكّة كما تضاعف الحسنات .
ابن جريج : هو استحلال الحرام متعمّداً ، عن حبيب بن أبي ثابت : احتكار الطعام بمكة ، بعضهم : هو كل شيء كان منهيّاً عنه من القول والفعل حتى قول القائل : لا والله ، وبلى والله .
وروى شعبة : عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمر أنّه كان له فسطاطان أحدهما في الحلّ والآخر في الحرم ، فإن أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الآخر ، فسئل عن ذلك فقال : كّنا نحدّث أنّ من الإلحاد فيه أن يقول الرجل : كلاّ والله وبلى والله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.