وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ 25 } رُدّ يَفعلون على فعلوا لأن معناهما كالوَاحدِ الذي وغير الذي . ولو قيلَ : إن الذينَ كفروا وصَدُّوا لم يكن فيها ما يُسأل عنه . وردُّك يَفْعلَون على فَعَلوا لأنك أردت إن الذين كفروا يصّدونَ بكفرهم . وإدخالُك الواو كقول { وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْترِفُوا } أضمرت فعلاً في الواو مع الصدّ كما أضمرته ها هنا . وإن شئت قلت : الصدّ منهم كالدائم فاختير لهم يَفْعَلُونَ كأنك قلت : إن الذين كفَروا ومِن شأنهم الصَدْ . ومثله { إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرونَ بآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النبيّينَ } وفي قراءة عبد الله { وَقَاتَلُوا الذينَ يأمرونَ بالقِسْطِ } وقال { الذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ } مثل ذلك . ومثله في الأحزاب في قرءاة عبد الله ( الذِينَ بَلَّغُوا رِسالات الله وَيَخْشَوْنَه ) فلا بأسُ أن تردّ فَعَل على يفعل كما قال { وَقَاتلُوا الذِينَ يأمرونَ } ، وأن تردّ يفعل على فعَل ، كَما قَالَ { إِنَّ الذينَ كفروا وَيَصُدّون عن سبيل الله } .
وقوله : { سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } فالعاكف مَن كان من أهْل مكَّة . والبادِ مَن نزع إليه بحجّ أو عمرة . وقد اجتمع القراء على رفع ( سواء ) ها هُنا . وأَما قوله 121 ا في الشريعة : { سواء مَحْيَاهُمْ وَمَماتُهُمْ } فقد نصبها الأعمش وحده ، ورفعها سَائر القراء . فمَن نَصَبَ أوقع عليه { جَعَلناه } ومن رفع جَعَل الفعل واقعاً على الهاء واللام التي في الناس ، ثم اسْتأنف فقال : { سَوَاء العاكِفُ فِيهِ والبادِ } ومن شأن العرب أن يستأنفوا بسَواء إذا جاءت بعد حرف قد تمَّ به الكلام فيقولون : مررت برجل سواء عنده الخيرُ والشرّ . والخفض جَائز . وإنما اختاروا الرفع لأن ( سواء ) في مذهب واحد ، كأنك قلت : مررت على رجل واحدٌ عنده الخير والشرّ . ومَن خفض أراد : معتدلٍ عنده الخير والشرّ . ولا يقولون : مررت على رجل معتدلٌ عنده الخير والشر لأن ( معتدل ) فعل مصرَّح ، وسواء في مذهب مصدر . فإخراجهم إيّاه إلى الفعل كإخراجهم مررت برجل حَسْبِك من رجل إلى الفعل .
وقوله : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ } دخلت الباء في ( إلحاد ) لأن تأويله : ومن يرد بأن يلحد فيه بظلم . ودخول البَاء في ( أن ) أسهل منه في الإلحاد وما أشبهه ؛ لأن ( أن ) تضمَر الخوافض معها كثيراً ، وتكون كالشرط فاحتملتْ دخولَ الخافض وخروجه ؛ لأن الإعراب لا يتبيَّن فيها ، وقلّ في المصادِرِ ؛ لتبيُّن الرفع والخفض فيها . أنشدني أبو الجَرّاح :
فلما رَجَتْ بالشّرب هَزّ لها العصا *** شَحِيح له عند الإزاء نَهِيم
( قال الفراء : نهِيم من الصَّوت ) . وقال امرؤ القيس :
ألا هل أتاها والحوادث جَمَّة *** بأن امرأ القيس بنَ تَمْلِك بَيْقرا
فأدخل الباء على ( أنّ ) وهي في موضع رَفع ؛ كما أدخلها على ( إلحاد بظلم ) وهو في موضع نصب . وقد أدخلوها على ( ما ) إذا أرادوا بها المصدر ، يعنى البَاء . وقال قيس بن زُهَيرٍ :
ألم يأتيك والأنباء تنمِى *** بما لاقت لبونُ بنى زيادِ
وهو في ( ما ) أقل منه في ( أن ) لأنّ ( أن ) أقل شَبَها بالأسماء من ( ما ) . وسَمعت أَعرابيّاً من ربيعة وسألته عن شيء فقال : أرجو بذاكَ . يريد : أَرْجُو ذاكَ . وقد قرأ بعض القراء ( وَمَن تَرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ ) من الورود ، كأنه أراد : مَن وَرَده أو تورَّده . ولست أشتهيها ، لأنّ ( وردت ) يطلب الاسم ، ألاّ ترى أنكَ تقول : وَرَدنا مكّة ولا تقول : وردنا في مكّة . وهو جائز تريد النزولَ . وقد تجوز في لغة الطائيّين لأنهم يقولون : رغبت فيك ، يريدون : رغبت بك . وأنشدني بعضهم في بنت له :
وأرغبُ فيها عن لَقِيطٍ ورَهْطه *** ولكنني عن سِنْبِسٍ لست أرغب
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.