جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۭ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (25)

{ إِنَّ{[3355]} الَّذِينَ كَفَرُوا } : في ماضي الزمان ، { و } ، { يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } : يوما فيوما ، { وَالْمَسْجِدِ{[3356]} الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } : لمناسكهم كلهم ، { سَوَاء{[3357]} الْعَاكِفُ } : المقيم ، { فِيهِ وَالْبَادِ } : الطارئ ، من قرأ برفع سواء فهو خبر مقدم ، والجملة ثاني مفعولي جعلناه إن جعلته للناس حالا وإن جعلت ثاني مفعوليه فهي حال ، ومن قرأ بنصبه فثاني مفعوليه أو حال بمعنى مستويا والعاكف مرتفع به ، { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } : ميل عن القصد ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول ، والباء للحال أو فيه تضمين معنى الهم ، وقيل الباء زائدة ، { بِظُلْمٍ } : بعمد حال أو بدل فالمراد بالإلحاد كل كبيرة أو الشرك ، وعند بعض{[3358]} أن من عزم سيئة بمكة أذاقه الله العذاب الأليم ، وإن لم يفعلها وهذا من خصوصيات مكة ، { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ{[3359]} أَلِيمٍ } ، جواب لمن وخبر إن مقدر أي : نذيقه من عذاب أليم وحذف لدلالة جواب الشرط عليه .


[3355]:ولما بين للفريقين أكد ذكر الفريق الأول لبيان ما يدل على استمرار كفرهم، ويؤكد بيان جزائهم فقال: {إن الذين كفروا} الآية /12 وجيز.
[3356]:عطف على لفظ الله أو على سبيل الله /12 منه.
[3357]:قال القرطبي: وأجمع الناس على الاستواء في المسجد الحرام نفسه واختلفوا في مكة، فذهب مجاهد ومالك إلى أن دور مكة ومنازلها يستوي فيها المقيم والطارئ، وذهب عمر بن الخطاب وابن عباس وجماعة على أن للقادم أن ينزل حيث وجد وعلى رب المنزل أن يئويه شاء أم أبى، وذهب الجمهور إلى أن دور مكة ومنازلها ليس كالمسجد الحرام ولأهلها منع الطارئ من النزول فيها، والحاصل أن الكلام في هذا راجع إلى أصلين: الأول ما في هذه الآية هل المراد بالمسجد الحرام نفسه أو جميع الحرام أو مكة على الخصوص. والثاني: هل كان فتح مكة صلحا أو عنوة، وعلى فرض أن فتحها كان عنوة، وهل أقرها النبي –صلى الله عليه وسلم- في أيدي أهلها على الخصوص أو جعلها لمن نزل بها على العموم، وقد أوضح الشوكاني هذا في شرحه على المنتقي بما لا يحتاج الناظر فيه على زيادة /12 فتح.
[3358]:منهم ابن مسعود وقيل الإسناد على شرط البخاري ووقفه عليه أشبه من رفعه، وفي الفتح قال ابن كثير: هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري ووقفه أشبه من رفعه. انتهى، وقال بعض: الإلحاد فيه لا والله، وبلى والله /12.
[3359]:وقد كان دور مكة في الصدر الأول بلا باب لينزل فيه الحاج رضي رب البيت أم لم يرض حتى كثرت السرقة فاتخذ شخص بابا لداره فأنكر عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وقال: أتغلق على وجه الحاج، وقد قال الله تعالى سواء العاكف فيه والباد، فقال: أردت حفظ متاعهم فاتخذ الناس بعده الأبواب، وهذا مذهب عمر بن الخطاب وابن عباس وجماعة من السلف أنه لا يجوز لرب بيوت مكة منع الحاج عن النزول فيها، ولما ذكر صدهم عن المسجد الحرام وعظمه عقبه بحكاية بانيه الدالة على أنه بناه لكل موحد أراد زيارة فهذا البيت ليس للمشركين فكيف لهم صد الناس عن دخول بيتهم فقال: (وإذا بوأنا). الآية /12 وجيز. [وكان سهيل بن عمرو هو أول من بوب داره كما قال ابن كثير (3/215)].