الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۭ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (25)

وأخرج عبد حميد عن ابن عباس قال : الحرم كله هو المسجد الحرام .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله { سواء العاكف فيه والباد } قال : خلق الله فيه سواء .

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { سواء } يعني شرعاً واحداً { العاكف فيه } قال : أهل مكة في مكة أيام الحج { والباد } قال : من كان في غير أهلها من يعتكف به من الآفاق ، قال : هم في منازل مكة ، سواء ، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال البادي وأهل مكة سواء في المنزل والحرم .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وعطاء { سواء العاكف فيه والباد } قال : سواء في تعظيم البلد وتحريمه .

وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في شعب الإيمان ، عن قتادة في الآية قال : { سواء } في جواره وأمنه وحرمته { العاكف فيه } أهل مكة { والباد } من يعتكفه من أهل الآفاق .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن حصين قال : سألت سعيد بن جبير : أعتكف بمكة ؟ قال : لا . . . أنت معتكف ما أقمت . قال الله { سواء العاكف فيه والباد } .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد في الآية قال : الناس بمكة سواء ، ليس أحد أحق بالمنازل من أحد .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، عن عبد الله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطنه ناراً .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عطاء ، أنه كان يكره أن تباع بيوت مكة أو تكرى .

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه كان يكره إجارة بيوت مكة .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر ، أن عمر نهى أن تغلق أبواب دور مكة ، فإن الناس كانوا ينزلون منها حيث وجدوا ، حتى كانوا يضربون فساطيطهم في الدور .

وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب ، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين ، أقطعني مكاناً لي ولعقبي . فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله { سواء العاكف فيه والباد } .

وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : بيوت مكة لا تحل إجارتها .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن جريج قال : أنا قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز على الناس بمكة ، فنهاهم عن كراء بيوت مكة ودورها .

وأخرج ابن أبي شيبة عن القاسم قال : من أكل شيئاً من كراء مكة ، فإنما يأكل ناراً .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاج في عرصات الدور .

وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه قال : لم يكن للدور بمكة أبواب ، كان أهل مصر وأهل العراق يأتون فيدخلون دور مكة .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط في قوله { سواء العاكف فيه والباد } قال : البادي ، الذي يجيء من الحج والمقيمون سواء في المنازل ينزلون حيث شاؤوا ولا يخرج رجل من بيته .

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند صحيح ، عن ابن عباس قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى { سواء العاكف فيه والباد } قال : «سواء المقيم والذي يرحل » .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { سواء العاكف فيه والباد } قال : ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها » .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، وما تدعى رباع مكة إلا السوائب ، من احتاج سكن ومن استغنى أسكن .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن عمر أنه قال : يا أهل مكة ، لا تتخذوا لدوركم أبواباً لينزل البادي حيث شاء .

وأخرج الدارقطني عن ابن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً » .

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن مسعود رفعه في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : لو أن رجلاً هم فيه بإلحاد وهو بعدن أبين ، لأذاقه الله تعالى عذاباً أليماً .

وأخرج سعيد بن منصور والطبراني ، عن ابن مسعود في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } قال : من هم بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت لم تكتب عليه حتى يعملها ، ومن هم بخطيئة في البيت لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين : أحدهما مهاجري والآخر من الأنصار ، فافتخروا في الأنساب فغضب عبد الله بن أنيس فقتل الأنصاري ثم ارتد عن الإسلام وهرب إلى مكة . فنزلت فيه { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } يعني من لجأ إلى الحرم { بإلحاد } يعني بميل عن الإسلام .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان ، عن قتادة في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد . . . } . قال : من لجأ إلى الحرم ليشرك فيه عذبه الله .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : بشرك .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : هو أن يعبد فيه غير الله .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } يعني أن تستحل من الحرام ما حرم الله عليك من لسان أو قتل ، فتظلم من لا يظلمك وتقتل من لا يقتلك . فإذا فعل ذلك فقد وجب له عذاب أليم .

وأخرج ابن جرير عن حبيب بن أبي ثابت في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : هم المحتكرون الطعام بمكة .

وأخرج البخاري في تاريخه وعبد بن حميد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن يعلى بن أمية ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه » .

وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في تاريخه وابن المنذر ، عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد .

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «احتكار الطعام بمكة إلحاد » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن منيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن مجاهد قال : كان لعبد الله بن عمرو فسطاطان : أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يصلي صلى في الذي في الحرم ، وإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الذي في الحل . فقيل له فقال : كنا نحدَّث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل : كلا والله وبلى والله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : شتم الخادم في الحرم ظلم فما فوقه .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : تجارة الأمير بمكة إلحاد .

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : أقبل تبع بريد الكعبة ، حتى إذا كان بكراع الغميم بعث الله تعالى عليه ريحاً ، لا يكاد القائم يقوم إلا بمشقة . ويذهب القائم يقعد فيصرع ، وقامت عليه ولقوا منها عناء ، ودعا تبع حبريه فسألهما : ما هذا الذي بعث عليّ ؟ قالا : أو تؤمنا ؟ قال : أنتم آمنون . قالا : فإنك تريد بيتاً يمنعه الله ممن أراده ! قال : فما يذهب هذا عني ؟ قالا : تجرد في ثوبين ثم تقول : لبيك اللهم لبيك ، ثم تدخل فتطوف به فلا تهيج أحداً من أهله . قال : فإن أجمعت على هذا ، ذهبت هذه الريح عني ؟ قالا : نعم . فتجرد ثم لبى فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } قال : حدثنا شيخ من عقب المهاجرين والأنصار ، أنهم أخبروه أن أيما أحد أراد به ما أراد أصحاب الفيل ، عجل لهم العقوبة في الدنيا وقال : إنما يؤتي استحلاله من قبل أهله . فأخبرني عنهم أنه وجد سطران بمكة مكتوبان في المقام : أما أحدهما ، فكان كتابته : بسم الله والبركة ، وضعت بيتي بمكة طعام أهله اللحم والسمن والتمر ، ومن دخله كان آمناً لا يحله إلا أهله . قال : لولا أن أهله هم الذين فعلوا به ما قد علمت لعجل لهم في الدنيا العذاب . قال : ثم أخبرني أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قبل أن يستحل منه الذي يستحل قال : أجد مكتوباً في الكتاب الأول : عبد الله يستحل به الحرم ، وعنده عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير . فقال : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، قال كل واحد منهما : لست قاراً به إلا حاجاً أو معتمراً أو حاجة لا بد منها . وسكت عبد الله بن الزبير فلم يقل شيئاً فاستحل من بعد ذلك .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود قال : من هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها . ولو أن رجلاً كان بعدن أبين حدث نفسه بأن يلحد في البيت ، والإلحاد فيه : أن يستحل فيه ما حرم الله عليه فمات قبل أن يصل إلى ذلك ، أذاقه الله من عذاب أليم .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد } قال : إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى ، فتكتب عليه وما عملها .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد قال : تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن عطاء بن أبي رباح { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : القتل والشرك .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي مليكة ، أنه سئل عن قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : ما كنا نشك أنها الذنوب حتى جاء إعلاج من أهل البصرة إلى إعلاج من أهل الكوفة ، فزعموا أنها الشرك .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : ما من عبد يهم بذنب فيؤاخذه الله بشيء حتى يعمله ، إلا من هم بالبيت العتيق شراً فإنه من هم به شراً عجل الله له .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي الحجاج في الآية قال : إن الرجل يحدث نفسه أن يعمل ذنباً بمكة فيكتبه الله عليه ذنباً .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد قال : رأيت عبد الله بن عمرو بعرفة ، ومنزله في الحل ومسجده في الحرم فقلت له : لم تفعل هذا ؟ ؟ قال : لأن العلم فيه أفضل والخطيئة فيه أعظم . والله أعلم .