الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۭ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (25)

ومنه قوله تعالى : { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله } أي الصدود منهم مستمرّ دائم { لِلنَّاسِ } أي الذين يقع عليهم اسم الناس من غير فرق بين حاضر وباد وتانيء وطارئ ومكي وآفاقي . وقد استشهد به أصحاب أبي حنيفة قائلين : إنّ المراد بالمسجد الحرام : مكة ، على امتناع جواز بيع دور مكة وإجارتها . وعند الشافعي : لا يمتنع ذلك . وقد حاور إسحاق بن راهويه فاحتجّ بقوله : { الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم } [ الحج : 40 ] ، [ الحشر : 8 ] وقال : أنسب الديار إلى مالكيها ، أو غير مالكيها ؟ واشترى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دار السجن من مالكيه أو غير مالكيه ؟ { سَوَآء } بالنصب : قراءة حفص . والباقون على الرفع . ووجه النصب أنه ثاني مفعولي جعلناه ، أَي : جعلناه مستوياً { العاكف فِيهِ والباد } وفي القراءة بالرفع . الجملة مفعول ثان . الإلحاد : العدول عن القصد ، وأصله إلحاد الحافر . وقوله : { بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } حالان مترادفتان . ومفعول { يُرِدْ } متروك ليتناول كل متناول ، كأنه قال : ومن يرد فيه مراداً ما عادلاً عن القصد ظالماً { نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } يعني أَنّ الواجب على من كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد والعدل في جميع ما يهمّ به ويقصده . وقيل : الإلحاد في الحرم : منع الناس عن عمارته . وعن سعيد بن جبير : الاحتكار . وعن عطاء : قول الرجل في المبايعة : «لا والله ، وبلى والله ، وعن عبد الله بن عمر [ و ] أنه كان له فسطاطان ، أحدهما : في الحل ، والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل ، فقيل له ، فقال : كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل : لا والله وبلى والله » . وقرىء : «يرد » بفتح الياء من الورود ، ومعناه من أتى فيه بإلحاد ظالماً . وعن الحسن : ومن يرد إلحاده بظلم . أراد : إلحاداً فيه ، فأضافه على الاتساع في الظرف ، كمكر الليل : ومعناه من يرد أن يلحد فيه ظالماً . وخبر إن محذوف لدلالة جواب الشرط عليه ، تقديره : إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم ؛ وكل من ارتكب فيه ذنباً فهو كذلك . عن ابن مسعود : الهمة في الحرم تكتب ذنباً .