المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (64)

64- قل - يا أيها النبي : يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة عادلة بيننا وبينكم نذكرها على السواء ، وهي أن نخص الله بالعبادة ولا نجعل غيره شريكاً له فيها ، ولا يطيع بعضنا بعضاً وينقاد له في تحليل شيء أو تحريمه ، تاركاً حكم الله فيما أحلَّ وحرَّم ، فإن أعرضوا عن هذه الدعوة الحقة فقولوا لهم : اشهدوا بأنا منقادون لأحكام الله ، مخلصون له الدين لا ندعو سواه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (64)

33

ومن ثم يتلو ذلك التهديد في السياق دعوة أهل الكتاب إلى كلمة سواء : إلى عبادة الله وحده ، وعدم الإشراك به ، وألا يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله . . وإلا فهي المفاصلة التي لا مصاحبة بعدها ولا مجادلة :

( قل : يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم : ألا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله . فإن تولوا فقولوا : اشهدوا بأنا مسلمون ) . .

وإنها لدعوة منصفة من غير شك . دعوة لا يريد بها النبي [ ص ] أن يتفضل عليهم هو ومن معه من المسلمين . . كلمة سواء يقف أمامها الجميع على مستوى واحد . لا يعلو بعضهم على بعض ، ولا يتعبد بعضهم بعضا . دعوة لا يأباها إلا متعنت مفسد ، لا يريد أن يفيء إلى الحق القويم .

إنها دعوة إلى عبادة الله وحده لا يشركون به شيئا . لا بشرا ولا حجرا . ودعوة إلى ألا يتخذ بعضهم بعضا من دون الله أربابا . لا نبيا ولا رسولا . فكلهم لله عبيد . إنما اصطفاهم الله للتبليغ عنه ، لا لمشاركته في الألوهية والربوبية .

( فإن تولوا فقولوا : اشهدوا بأنا مسلمون ) .

فإن أبوا عبادة الله وحده دون شريك . والعبودية لله وحده دون شريك . وهما المظهران اللذان يقرران موقف العبيد من الألوهية . . إن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون . .

وهذه المقابلة بين المسلمين ومن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله ، تقرر بوضوح حاسم من هم المسلمون .

المسلمون هم الذين يعبدون الله وحده ؛ ويتعبدون لله وحده ؛ ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله . . هذه هي خصيصتهم التي تميزهم من سائر الملل والنحل ؛ وتميز منهج حياتهم من مناهج حياة البشر جميعا . وإما أن تتحقق هذه الخصيصة فهم مسلمون ، وإما ألا تتحقق فما هم بمسلمين مهما ادعوا أنهم مسملون !

إن الإسلام هو التحرر المطلق من العبودية للعبيد . والنظام الإسلامي هو وحده من بين سائر النظم الذي يحقق هذا التحرر . .

إن الناس في جميع النظم الأرضية يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله . . يقع هذا في أرقى الديمقراطيات كما يقع في أحط الديكتاتوريات سواء . . إن أول خصائص الربوبية هو حق تعبد الناس . حق إقامة النظم والمناهج والشرائع والقوانين والقيم والموازين . . وهذا الحق في جميع الأنظمة الأرضية يدعيه بعض الناس - في صورة من الصور - ويرجع الأمر فيه إلى مجموعة من الناس - على أي وضع من الأوضاع - وهذه المجموعة التي تخضع الآخرين لتشريعها وقيمها وموازينها وتصوراتها هي الأرباب الأرضية التي يتخذها بعض الناس أربابا من دون الله ؛ ويسمحون لها بادعاء خصائص الألوهية والربوبية ، وهم بذلك يعبدونها من دون الله ، وإن لم يسجدوا لها ويركعوا . فالعبودية عبادة لا يتوجه بها إلا لله .

وفي النظام الإسلامي وحده يتحرر الإنسان من هذه الربقة . . ويصبح حرا . حرا يتلقى التصورات والنظم والمناهج والشرائع والقوانين والقيم والموازين من الله وحده ، شأنه في هذا شأن كل إنسان آخر مثله . فهو وكل إنسان آخر على سواء . كلهم يقفون في مستوى واحد ، ويتطلعون إلى سيد واحد ، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله .

والإسلام - بهذا المعنى - هو الدين عند الله . وهو الذي جاء به كل رسول من عند الله . . لقد أرسل الله الرسل بهذا الدين ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله . ومن جور العباد إلى عدل الله . . فمن تولى عنه فليس مسلما بشهادة الله . مهما أول المؤولون ، وضلل المضللون . . ( إن الدين عند الله الإسلام ) . .