الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (64)

{ قُلْ يأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية .

قال المفسرون : قدم وفد نجران المدينة فالتقوا مع اليهود فاختصموا في إبراهيم فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد إنّا اختلفنا في إبراهيم ودينه فزعمت النصارى أنّه كان نصرانياً وهم على دينه وأولى النّاس به . وقالت اليهود : بل كان يهودياً وأنّهم على دينه وأولى النّاس به . فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان إبراهيم حنيفاً وأنا على دينه فاتبعوا دينه الإسلام . فقالت اليهود : يا محمد ما تريد إلا أن نتّخذك رباً كما اتخذت النصارى عيسى رباً . وقالت النصارى : واللّه يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير . فأنزل اللّه تعالى { قُلْ يأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ } عدل { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } وكذلك كان يقولها ابن مسعود قال : دعا فلان إلى السّواء أي إلى النصف ، وسواء كل شيء وسطه . قال اللّه

{ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الْجَحِيمِ } [ الصافات : 55 ] ، وإنّما قيل للنصف سواء لأن أعدل الأمور وأفضلها أوسطها . وسواء نعت للكلمة إلا أنّه مصدر والمصادر لا تثنّى ولا تجمع ولا تؤنث . فإذا فتحت السين مدّت ، وإذا كسرت أو ضُمّت قصرت . كقوله عز وجّل :

{ مَكَاناً سُوًى } [ طه : 58 ] : أي مستو به ثم فسّر الكلمة فقال : { أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ } : محل ( أن ) رفع على إضمار هي .

قال الزجاج : محلّه رفع [ بمعنى أنه لا نعبد ] ، وقيل : محله نصب بنزع حرف الصفة معناه : بأن لا نعبد إلا اللّه .

وقيل : محله خفض بدلاً من الكلمة أي تعالوا أن لا نعبد إلاّ اللّه .

{ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ } : كما فعلت اليهود والنصارى .

قال اللّه :

{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ } [ التوبة : 31 ] . قال عكرمة : هو سجود بعضهم لبعض .

وقيل معناه : لا تطع في المعاصي أحداً ، وفي الخبر من أطاع مخلوقاً في معصية اللّه فكأنّما سجد سجدة لغيره .

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ } : أنتم لهم { اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } : مخلصون بالتوحيد ، وكتب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هذه الآية إلى قيصر وملوك الروم ، " من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم . . .

سلام على من اتبع الهدى .

أمّا بعد . . . . فإنّي أدعوك إلى الإسلام أسلم تسلم . أسلم يؤتك الله أجرك مرتين . فإن توليت فلن تملكوا إلا أربع سنين ، فإن توليت فعليك إثم الاريسيين ، يا أهل الكتاب { تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية " .