محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (64)

64

( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون64 ) .

( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) أي إلى قول معتدل لا يميل إلى التعطيل ولا إلى الشرك ، متفق عليها لا يختلف فيها الرسل والكتب وهي ( ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ) أي لا نرى غيره مستحقا للعبادة فنشركه معه ، بل نفرد العبادة لله وحده ، لا شريك له . وهذه دعوة جميع الرسل . قال الله تعالى : / ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا اله إلا أنا فاعبدون ) . وقال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) ، ( ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا ) أي كعزير والمسيح والأحبار والرهبان الذين كانوا يحلون لهم ويحرمون ، كما روى الترمذي عن عدي بن حاتم قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانا أربابا من دون الله ) . قال : إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " .

قال الكيا الهراسي : فيه رد على من قال بالاستحسان المجرد الذي لا يستند إلى دليل شرعي ، وعلى من قال : يجب قبول قول الإمام في التحليل والتحريم ولو دون ابانة مستند شرعي .

قال البقاعي : ولما كان الرب قد يطلق على المعلم والمربي بنوع تربية ، نبه على أن المحذور إنما هو اعتقاد الاستبداد والاجتراء على ما يختص به الله فقال : ( ومن دون الله ) الذي اختص بالكمال ( فإن تولوا ) أي عن هذه الكلمة السواء المتفق عليها ( فقولوا ) أي تبعا لأبيكم إبراهيم عليه السلام إذ قال : ( أسلمت لرب العالمين ) وامتثالا لوصيته إذ قال : ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ، ( اشهدوا بأنا مسلمون ) أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا بأنا مسلمون دونكم ، كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع أو غيرهما : أعترف بأني أنا الغالب ، وسلم أي الغلبة . ويجوز أن يكون من باب التعريض ، ومعناه : اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره –كذا في ( الكشاف ) - .