الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (64)

واختلف المفسِّرون من المُرَاد بأهْلِ الكِتَابِ هنا ، فروى قتادةُ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنهم يهودُ المدينَة ، وقال ابنُ زَيْدٍ وغيره : المرادُ نصارى نجران .

قال ( ع ) : والذي يظهر لي أنَّ الآية نزلَتْ في وَفْد نَجْرَان ، لكن لفظُ الآية يعمُّهم ، وسواهم من النصارى واليهود ، وقد كتب النبيُّ صلى الله عليه وسلم بهذه الآية إلى هِرَقْلَ عظيمِ الرُّومِ ، وكذا ينبغي أنْ يدعى بها أهل الكِتَابِ إلى يوم القيامة ، والكلمةُ هنا ، عند الجمهور : عبارةٌ عن الألفاظ التي تتضمَّن المعانِيَ المدعوَّ إليها ، وهي ما فسر بعد ذلك ، وهذا كما تسمِّي العربُ القصيدةَ كَلِمَةً ، وقوله : { سَوَاءٍ } نعتٌ للكلمةِ ، قال قتادةُ ، وغيره : معناه إلى كلمةٍ عَدْلٍ ، وفي مُصْحَف ابنِ مَسْعود ، ( إلى كلمةٍ عَدْلٍ ) ، كما فسر قتادة ، قال ( ع ) : والذي أقوله في لفظة { سَوَاء } : أنها ينبغي أنْ تفسَّر بتفسير خاصٍّ بها في هذا الموضِعِ ، وهو أنه دعاهم إلى معانٍ ، جميعُ الناسِ فيها مُسْتَوُونَ .

وقوله : { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله }[ آل عمران :64 ] .

هو في موضعِ خفضٍ على البَدَلِ ، مِنْ { كَلِمَة } ، أو في موضعِ رفعٍ ، بمعنى هِيَ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّه ، واتخاذُ بعضهم بعضاً أرباباً ، هو على مراتبَ ، أشدُّها : اعتقادهم الألوهيَّة ، وعبادتهم لهم كَعُزَيْرٍ ، وعيسى ، ومريمَ ، وأدنى ذلك : طاعتهم لأساقفتهم في كلِّ ما أَمَرُوا بِهِ مِنَ الكُفْر ، والمعاصِي ، والتزامهم طاعتهم شرعاً .

( م ) : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أبو البقاءِ : ( تَوَلَّوْا ) فعلٌ ماضٍ ، ولا يجوزُ أنْ يكون التقديرُ : [ تَتَوَلَّوا ] لفساد المعنى ، لأنَّ قوله : { فَقُولُواْ اشهدوا } خطابٌ للمؤمنين ، و{ تَوَلَّوْاْ } للمشركينَ ، اه .

وقوله : { فَقُولُوا اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أمر بالإعلان بمخالفتهم ، ومواجهتهم بذلك وإشهادهم ، على معنى التوبيخ والتهديد .