المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۭ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (25)

25- إن الذين كفروا بالله ورسله واعتادوا مع ذلك منْع الناس من الدخول في الإسلام ، ومنْع المؤمنين من دخول المسجد الحرام في مكة - وقد جعله الله حرماً آمناً للناس جميعاً المقيم والزائر - يجازيهم على ذلك بالعذاب الشديد ، وكذلك كل من ينحرف عن الحق ، ويرتكب أي ظلم في الحرم عذَّبه عذاباً أليماً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۭ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (25)

{ 25 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

يخبر تعالى عن شناعة ما عليه المشركون الكافرون بربهم ، وأنهم جمعوا بين الكفر بالله ورسوله ، وبين الصد عن سبيل الله ومنع الناس من الإيمان ، والصد أيضا عن المسجد الحرام ، الذي ليس ملكا لهم ولا لآبائهم ، بل الناس فيه سواء ، المقيم فيه ، والطارئ إليه ، بل صدوا عنه أفضل الخلق محمدا وأصحابه ، والحال أن هذا المسجد الحرام ، من حرمته واحترامه وعظمته ، أن من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم .

فمجرد إرادة الظلم والإلحاد في الحرم ، موجب للعذاب ، وإن كان غيره لا يعاقب العبد عليه إلا بعمل الظلم ، فكيف بمن أتى فيه أعظم الظلم ، من الكفر والشرك ، والصد عن سبيله ، ومنع من يريده بزيارة ، فما ظنكم{[537]} أن يفعل الله بهم ؟ "

وفي هذه الآية الكريمة ، وجوب احترام الحرم ، وشدة تعظيمه ، والتحذير من إرادة المعاصي فيه وفعلها .


[537]:- كذا في ب، وفي أ: ظنهم.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۭ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (25)

يقول تعالى منكرًا على الكفار في صَدّهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام ، وقضاء مناسكهم فيه ، ودعواهم أنهم أولياؤه : { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [ الأنفال : 34 ] .

وفي هذه الآية دليل [ على ]{[20101]} أنها مدنية ، كما قال في سورة " البقرة " : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ } [ البقرة : 217 ] ، وقال : هاهنا : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } أي : ومن صفتهم مع كفرهم أنهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام ، أي : ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر ، وهذا التركيب في هذه الآية كقوله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] أي : ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله .

وقوله : { الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } [ أي : يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وقد جعله الله شرعا سواء ، لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه ، { سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } ] {[20102]} ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } قال : ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام .

وقال مجاهد [ في قوله ]{[20103]} : { سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } : أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل . وكذا قال أبو صالح ، وعبد الرحمن بن سابط ، وعبد الرحمن بن زيد [ بن أسلم ]{[20104]} .

وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : سواء فيه أهله وغير أهله .

وهذه المسألة اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن راهَويه بمسجد الخِيف ، وأحمد بن حنبل حاضر{[20105]} أيضًا ، فذهب الشافعي ، رحمه الله{[20106]} إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر ، واحتج بحديث الزهري ، عن علي بن الحُسَين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد قال : قلت : يا رسول الله ، أتنزل غدًا في دارك{[20107]} بمكة ؟ فقال : " وهل ترك لنا عَقيل من رباع " . ثم قال : " لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر " . وهذا الحديث مُخَرّج في الصحيحين{[20108]} [ وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية دارا بمكة ، فجعلها سجنا بأربعة آلاف درهم . وبه قال طاوس ، وعمرو بن دينار .

وذهب إسحاق بن راهَويه إلا أنها تورث ولا تؤجر . وهو مذهب طائفة من السلف ، ونص عليه

مجاهد وعطاء ، واحتج إسحاق بن راهَويه بما رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عيسى ابن يونس ، عن عُمَر بن سعيد بن أبي حُسَين{[20109]} ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن علقمة بن نَضْلة قال : تُوُفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، وما تدعى رباع مكة إلا ]{[20110]} السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن{[20111]} .

وقال عبد الرزاق ابن مجاهد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال : لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها .

وقال أيضًا عن ابن جريج : كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم ، وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهي عن تُبوّب دور مكة ؛ لأن ينزل الحاج في عَرَصاتها ، فكان أول من بَوّب داره سُهَيل بن عمرو ، فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك ، فقال : أنظرني يا أمير المؤمنين ، إني كنت امرأ تاجرا ، فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري قال : فذلك إذًا .

وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن منصور ، عن مجاهد ؛ أن عمر بن الخطاب قال : يا أهل مكة ، لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث يشاء{[20112]} . قال : وأخبرنا مَعْمر ، عمن سمع عطاء يقول [ في قوله ]{[20113]} : { سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } ، قال : ينزلون حيث شاءوا .

وروى الدارقطني من حديث ابن أبي نَجِيح ، عن عبد الله بن عمرو موقوفا{[20114]} من أكل كراء بيوت مكة أكل نارا{[20115]} .

" وتوسط الإمام أحمد [ فيما نقله صالح ابنه ]{[20116]} فقال : تملك وتورث ولا تؤجر ، جمعا بين الأدلة ، والله أعلم .

وقوله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } قال بعض المفسرين من أهل العربية : الباء هاهنا زائدة ، كقوله : { تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] أي : تُنْبِتُ الدهن ، وكذا قوله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ{[20117]} } تقديره إلحادًا ، وكما قال الأعشى :

ضَمنَتْ برزق عيالنا أرْماحُنا *** بين المَرَاجِل ، والصّريحَ الأجرد{[20118]} وقال الآخر :

بوَاد يَمانِ يُنْبتُ الشَّثّ صَدْرُهُ *** وَأسْفَله بالمَرْخ والشَّبَهَان

والأجود أنه ضمن الفعل هاهنا معنى " يَهُمّ " ، ولهذا{[20119]} عداه بالباء ، فقال : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } أي : يَهُمّ فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار .

وقوله : { بِظُلْمٍ } أي : عامدا قاصدا أنه ظلم ليس بمتأول ، كما قال ابن جريج{[20120]} ، عن ابن عباس : هو [ التعمد ]{[20121]} .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { بِظُلْمٍ } بشرك .

وقال مجاهد : أن يعبد فيه غير الله . وكذا قال قتادة ، وغير واحد .

وقال العَوْفي ، عن ابن عباس : { بِظُلْمٍ } هو أن تَستحلَ من الحرم ما حَرّم الله عليك من لسان أو قتل ، فتظلم من لا يظلمك ، وتقتل من لا يقتلك ، فإذا فَعَلَ ذلك فقد وجب [ له ]{[20122]} العذاب الأليم .

وقال مجاهد : { بِظُلْمٍ } : يعمل فيه عملا سيئا .

وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاقَب البادي فيه الشر ، إذا كان عازما عليه ، وإن لم يوقعه ، كما قال ابن أبي حاتم في تفسيره :

حدثنا أحمد بن سِنَان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا شعبة ، عن السُّدِّي : أنه سمع مُرَّة يحدث عن عبد الله - يعني ابن مسعود - في قوله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال : لو أن رَجُلا أراد فيه بإلحاد بظلم ، وهو بعَدَن أبينَ ، أذاقه{[20123]} الله من العذاب الأليم .

قال شعبة : هو رفعه لنا ، وأنا لا أرفعه لكم . قال يزيد : هو قد رفعه ، ورواه أحمد ، عن يزيد بن هارون ، به{[20124]} .

[ قلت : هذا الإسناد ]{[20125]} صحيح على شرط البخاري ، ووقفه أشبه من رفعه ؛ ولهذا صَمم شعبة على وَقْفه من كلام ابن مسعود . وكذلك رواه أسباط ، وسفيان الثوري ، عن السدي ، عن مُرة ، عن ابن مسعود موقوفا ، والله أعلم .

وقال الثوري ، عن السدي ، عن مُرَّة ، عن عبد الله قال : ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه ، ولو أن رجلا بعَدَن أبينَ هَمّ أن يقتل رجلا بهذا البيت ، لأذاقه الله من العذاب الأليم . وكذا قال الضحاك بن مُزاحم .

وقال سفيان [ الثوري ]{[20126]} ، عن منصور ، عن مجاهد " إلحاد فيه " ، لا والله ، وبلى والله . وروي عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، مثله .

وقال سعيد بن جُبَير : شتم الخادم ظلم فما فوقَه .

وقال سفيان الثوري ، عن عبد الله بن عطاء ، عن ميمون بن مِهْرَان ، عن ابن عباس في قوله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال : تجارة الأمير فيه .

وعن ابن عمر : بيع الطعام [ بمكة ]{[20127]} إلحاد .

وقال حبيب{[20128]} بن أبي ثابت : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال : المحتكر بمكة . وكذا قال غير واحد .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري ، أنبأنا أبو عاصم ، عن جعفر بن يحيى ، عن عمه عمارة بن ثوبان ، حدثني موسى بن باذان ، عن يعلى بن أمية ؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : " احتكار الطعام بمكة إلحاد " {[20129]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر{[20130]} ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، حدثني سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس في قول الله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال : نزلت في عبد الله بن أنيس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين ، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار ، فافتخروا في الأنساب ، فغضب عبد الله بن أنيس ، فقتل الأنصاريّ ، ثم ارتد عن الإسلام ، وهَرَب إلى مكة ، فنزلت فيه : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد يعني بميل عن الإسلام .

وهذه الآثار ، وإن دلت على أن هذه الأشياء من الإلحاد ، ولكنْ هُو أعم من ذلك ، بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها ، ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل { تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ } [ الفيل : 4 ، 5 ] ، أي : دمَّرهم وجعلهم عبرة ونكالا لكل من أراده بسوء ؛ ولذلك ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يغزو هذا البيت جيش ، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خُسِف بأولهم وآخرهم " الحديث{[20131]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كُنَاسة ، حدثنا إسحاق بن سعيد ، عن أبيه قال : أتى عبدُ الله بن عمر عبدَ الله بن الزبير ، فقال : يا ابن الزبير ، إياك والإلحاد في حَرَم الله ، فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه سيلحدُ فيه رجل من قريش ، لو تُوزَن ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت " ، فانظر لا تكن هو{[20132]} .

وقال أيضا [ في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص ]{[20133]} : حدثنا هاشم ، حدثنا إسحاق بن سعيد ، حدثنا سعيد بن عمرو قال : أتى عبدُ الله بن عمرو ابنَ الزبير ، وهو جالس في الحِجْر فقال : يا بن الزبير ، إياك والإلحادَ في الحرم ، فإني أشهد لسَمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحلها ويحل به رجل من قريش ، ولو وُزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها " . قال : فانظر لا تكن{[20134]} هو{[20135]} .

ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين .


[20101]:- زيادة من ت.
[20102]:- زيادة من ف.
[20103]:- زيادة من ف ، أ.
[20104]:- زيادة من أ.
[20105]:- في ت : "حاضرا".
[20106]:- في ف : "رضي الله عنه" ، وفي أ : "رضي الله تعالى عنه".
[20107]:- في ف : "بدارك".
[20108]:- صحيح البخاري برقم (6764) وصحيح مسلم برقم (1614) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
[20109]:- في ت : "جبير" ، وفي ف ، أ : "حيوة".
[20110]:- زيادة من ت ، ف ، أ.
[20111]:- سنن ابن ماجه برقم (3107) وهو مرسل.
[20112]:- في ت ، ف : "شاء".
[20113]:- زيادة من ف ، أ.
[20114]:- في ف ، أ : "مرفوعا".
[20115]:- سنن الدارقطني (2/300)
[20116]:- زيادة من ف ، أ.
[20117]:- في ف ، أ : "بإلحاد بظلم".
[20118]:- البيت في تفسير الطبري (17/103) غير منسوب.
[20119]:- في ف : "ولذا".
[20120]:- في ت : "جرير".
[20121]:- زيادة من ف ، أ.
[20122]:- زيادة من أ.
[20123]:- في ت ، ف ، أ : "لأذاقه".
[20124]:- المسند (1/428)
[20125]:- زيادة من ف ، أ.
[20126]:- زيادة من ف.
[20127]:- زيادة من ت ، ف ، أ.
[20128]:- في ت : "جندب".
[20129]:- ورواه أبو داود في السنن برقم (2020) ، والفاكهي في تاريخ مكة برقم (1771) من طريق أبي عاصم به.
[20130]:- في ت ، ف : "بكر".
[20131]:- رواه البخاري في صحيحه برقم (2118) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[20132]:- المسند (2/136)
[20133]:- زيادة من ف ، أ.
[20134]:- في ت : "لا يكون" وفي ف : "لا تكون".
[20135]:- المسند (21912).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۭ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (25)

وقوله تعالى : { إن الذين كفروا ويصدون } الآية ، قوله { ويصدون } تقديره وهم يصدون وبهذا حسن عطف المستقبل على الماضي وقالت فرقة الواو زائدة { ويصدون } خبر { إن } وهذا مفسد للمعنى المقصود ، وإنما الخبر محذوف مقدر عند قوله { والبادي } تقديره خسروا أو هلكوا ، وجاء { يصدون } مستقبلاً إذ فعل يديمونه كما جاء قوله تعالى :

{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم }{[8339]} [ الرعد : 28 ] ونحوه ، وهذه الآية نزلت عام الحديبية حين صُدَّ رسولُ الله صلى عليه وسلم عن المسجد الحرام وذلك أنه لم يعلم لهم صد قبل ذلك الجميع إلا أن يراد صدهم لأفراد من الناس ، فقد وقع ذلك في صدر المبعث ، وقالت فرقة { المسجد الحرام } أرادوا به مكة كلها ع وهذا صحيح لكنه قصد بالذكر المهم المقصود من ذلك ، وقرأ جمهور الناس «سواء » بالرفع وهو على الابتداء و { العاكف } خبره ، وقيل الخبر { سواء } وهو مقدم وهو قول أبي علي والمعنى الذي جعلناه للناس قبلة أو متعبداً ، وقرأ حفص عن عاصم «سواء » بالنصب وهي قراءة الأعمش وذلك يحتمل وجهين أحدهما أن يكون مفعولاً ثانياً ل «جعل » ويرتفع «العاكفُ » به لأنه مصدر في معنى مستوٍ أُعْمِلَ عمل اسم الفاعل ، والوجه الثاني ان يكون حالاً من الضمير في { جعلنا } وقرأت فرقة «سواءً » بالنصب «العاكفِ » بالخفض عطفاً على الناس{[8340]} ، و { العاكف } ، المقيم في البلد ، و { البادي } ، القادم عليه من غيره ، وقرأ ابن كثير في الوصل والوقف «البادي » بالياء . ووقف أبو عمرو بغير ياء ، ووصل بالياء ، وقرأ نافع «البادِ » بغير ياء في الوصل والوقف في رواية المسيبي ، وأبي بكر وإسماعيل ابني أبي أويس{[8341]} ، وروى ورش الوصل بالياء ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء وصلاً ووقفاً ، وهي في الإمام بغير ياء ، وأجمع الناس على الاستواء في نفس { المسجد الحرام } واختلفوا في مكة ، فذهب عمر بن الخطاب وابن عباس ومجاهد وجماعة معهم إلى الأمر كذلك في دور مكة وأن القادم له النزول حيث وجد ، وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى ، وقال : سفيان الثوري وغيره ، وكذلك كان الأمر في الصدر الأول ، قال ابن سابط{[8342]} : وكانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة فاتخذ رجل باباً فأنكر عليه عمر وقال : أتغلق باباً في وجه حاج بيت الله ؟ فقال : إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة ، فتركه فاتخذ الناس الأبواب ، وقال جمهور من الأمة منهم مالك : ليست الدور كالمسجد ولأهلها الامتناع بها والاستبداد ، وعلى هذا هو العمل اليوم ، وهذا الاختلاف الأول متركب على الاختلاف في مكة هل هي عنوة{[8343]} كما روي عن مالك والأوزاعي ، أو صلح كما روي عن الشافعي ، فمن رآها صلحاً فإن الاستواء في المنازل عنده بعيد ، ومن رآها عنوة أمكنه أن يقول الاستواء فيها ، قرره الأئمة الذين لم يقطعوها أحداً وإنما سكنى من سكن من قبل نفسه .

قال القاضي أبو محمد : وظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم «وهل ترك لنا عقيل منزلاً »{[8344]} يقتضي أن لا استواء وأنها متملكة ممنوعة على التأويلين في قوله تعالى عليه السلام لأنه تؤول بمعنى أنه ورث جميع منازل أبي طالب وغيره ، وتؤول بمعنى أنه باع منازل بني هاشم حين هاجروا ومن الحجة لتملك أهلها دورهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشترى من صفوان بن أمية داراً للسجن بأربعة آلاف ، ويصح مع ذلك أن يكون الاستواء في وقت الموسم للضرورة والحاجة فيخرج الأمر حينئذ عن الاعتبار بالعنوة والصلح ، وقوله تعالى : { بإلحاد } قال أبو عبيدة الباء زائدة ومنه قول الشاعر :

بواد يمان ينبت الشت صدره . . . وأسلفه بالمرخ والشهبان{[8345]}

ومنه قول الأعشى :

ضمنت برزق عيالنا أرماحنا . . . {[8346]} وهذا كثير{[8347]} ويجوز أن يكون التقدير { ومن يرد فيه } الناس { بإلحاد } و «الإلحاد » الميل ، وهذا الإلحاد والظلم يجمع جميع المعاصي من الكفر إلى الصغائر ، فلعظم حرمة المكان توعد الله تعالى على نية السئية فيه ، ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب بذلك إلا في مكة ، هذا قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم ، وقال ابن عباس : «الإلحاد » في هذه الآية الشرك ، وقال أيضاً : هو استحلال الحرام وحرمته ، وقال مجاهد : هو العمل السييء فيه ، وقال عبد الله بن عمرو : قول لا والله وبلى والله بمكة من الإلحاد ، وقال حبيب بن أبي ثابت : الحكرة بمكة من الإلحاد بالظلم .

قال أبو محمد رحمه الله :والعموم يأتي على هذا كله ، وقرأت فرقة «ومن يرد » من الورود حكاه الفراء ، والأول أبين وأعم وأمدح للبقعة ، و { من } شرط جازمة للفعل وذلك منع من عطفها على { الذين } والله المستعان .


[8339]:من الآية (28) من سورة (الرعد).
[8340]:قال أبو حيان في البحر المحيط: "كأنه يريد عطف البيان، والأولى أن يكون بدل تفصيل".
[8341]:أما أبو بكر فهو عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي ـ أبو بكر ابن أبي أويس ـ مشهور بكنيته، كأبيه، ثقة، من التاسعة، قال الإمام الحافظ العقلاني: "ووقع عند الأزدي: أبو بكر الأعشى، في إسناد حديث، فنسبه إلى الوضع فلم يصب، مات سنة اثنتين ومائتين". وأما إسماعيل فهو إسماعيل بن عبد الله بن أويس الأصبحي، أبو عبد الله بن أبي أويس المدني/ صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه، من العاشرة، مات سنة ست وعشرين ومائتين. والأصبحي ـ بفتح فسكون ففتح ـ نسبة إلى ذي أصبح، واسمه الحارث بن عوف، من يعرب بن قحطان. وأصبح صارت قبيلة.
[8342]:هو عبد الرحمن بن سابط ـ بكسر الباء كما في المغني ـ ويقال: ابن عبد الله بن سابط، قال العسقلاني: وهو الصحيح، ثقة، كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة ثمان عشرة.
[8343]:يعني: هل هي مفتوحة عنوة بقوة السلاح، أو مفتوحة صلحا؟.
[8344]:أخرجه أبو داود في الفرائض.
[8345]:البيت للأحول اليشكري، واسمه يعلى، وهو في اللسان (شث) و (سدر) ذلك لأنه روي أيضا: (ينبت السدر)، والدر هو شجر النبق، والواحدة سدرة. والشث: شجر طيب الريح، مر الطعم، يدبغ به، وينبت في جبال الغور وتهامة ونجد، والمرخ: شجر كثير الوري سريعه، والشبهان: نبت يشبه الثمام، قال ابن سيدة: والشبهان ـ بالتحريك وبضمتين ـ ضرب من العضاه، وقيل: الشبهان نبت شائك له ورد لطيف أحمر، والشاهد في البيت هو زيادة الباء في (بالمرخ)، إذ الأصل: ينبت المرخ، وقيل أيضا: إن الباء ليست زائدة، بل هي للتعدية، والتقدير: وينبت أسفله بالمرخ.
[8346]:في الطبري أن البيت لأعشى بني ثعلبة، وهو غير موجود في الديوان، بل ليس فيه قصيدة دالية مكسورة من بحر الكامل، وفي اللسان (جرد) نسب للأعشى بيتا يقول فيه: ضمنت لنا أعجازه أرماحنا ملء المراجل والصريح الأجردا وفي الديوان قصيدة دالية منصوبة فيها بيت يلتقي مع هذا البيت في كثير من الأمور، إذ يتحدث الشاعر قبله عن الإبل، ويقول: إن الله تعالى جعل طعامنا فيها، وهي ضخمة كالهضاب، ومضمنة لنا لا يطردها مغير، ولا يروعها مروع، ثم يقول: ضمنت لنا أعجازهن قدورنا وضروعهن لنا الصريح الأجردا والصريح الأجرد هو اللبن الصافي، أي أن أعجازها تملأ قدورنا وتضمن لنا اللحم الذي يكفي ضيوفنا ولا ينفذ، وأعجازها ضمنت لنا اللبن الصافي. لكن ليس فبهذا البيت ولا في بيت اللسان شاهدا يصلح هنا، لأن الشاهد هو زيادة الباء في (برزق)، والتقدير: ضمنت رزق.
[8347]:من ذلك قوله تبارك وتعالى في سورة مريم ـ الآية 25 ـ: {وهزي إليك بجذع النخلة}، والعرب تقول: خذ الخطام، وخذ بالخطام، وتقول: زوجتك فلانة، وزوجتك بفلانة، ومن ذلك قوله تعالى:{تنبت بالدهن}، أي: تنبت الدهن، ومن ذلك قول قيس بن زهير العبسي: ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد؟ وقول امرئ القيس: ألا هل أتانا والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا أي: هاجر من أرض إلى أرض، أو ذهب إلى حيث لا يدري. لكن الباء هنا دخلت على (أن) وهي في موضع رفع، أما في قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} فقد دخلت على (إلحاد) وهو في موضع نصب، وفي بيت بن زهير دخلت على (ما)، قال هذا الفراء في (معاني القرآن). ومن زيادة الباء أيضا قول الشاعر: نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج أي: ونرجو الفرج. أما (الفلج) فهو موضع لبني جعدة بنجد. ويظهر من هذه الشواهد صدق ما قاله المؤلف من أن هذا كثير.