ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد ، ومقابلة الحق بالباطل ، وأنهم تناجوا ، وتواطأوا فيما بينهم ، أن يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم ، إنه بشر مثلكم ، فما الذي فضله عليكم ، وخصه من بينكم ، فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه ، لكان قوله من جنس قوله ، ولكنه يريد أن يتفضل عليكم ، ويرأس فيكم ، فلا تطيعوه ، ولا تصدقوه ، وأنه ساحر ، وما جاء به من القرآن سحر ، فانفروا عنه ، ونفروا الناس ، وقولوا : { أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ }
وقوله : { وأسروا النجوى الذين ظلموا } أي قائلين فيما بينهم خفية { هل هذا إلا بشر مثلكم } يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبياً لأنه بشر مثلهم ، فكيف اختص بالوحي دونهم ، ولهذا قال : { أفتأتون السحر وأنتم تبصرون } أي أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر وهو يعلم أنه سحر ، فقال تعالى مجيباً لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب
القول في تأويل قوله تعالى : { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرّواْ النّجْوَى الّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هََذَآ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : لاهيَةً قُلُوبُهُمْ غافلة ، يقول : ما يستمع هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم هذا القرآن إلا وهم يلعبون غافلة عنه قلوبهم ، لا يتدبرون حكمه ولا يتفكرون فيما أودعه الله من الحجج عليهم . كما :
حدثنا بِشر قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ يقول : غافلة قلوبهم .
وقوله : وأَسَرّوا النّجْوَى الّذِينَ ظَلَمُوا يقول : وأسرّ هؤلاء الناس الذين اقتربت الساعة منهم وهم في غفلة معرضون ، لاهية قلوبهم ، النجوى بينهم ، يقول : وأظهروا المناجاة بينهم فقالوا : هل هذا الذي يزعم أنه رسول من الله أرسله إليكم إلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ؟ يقولون : هل هو إلا إنسان مثلكم في صوركم وخلقكم ؟ يعنون بذلك محمدا صلى الله عليه وسلم . وقال الذين ظلموا فوصفهم بالظلم بفعلهم وقيلهم الذي أخبر به عنهم في هذه الاَيات إنهم يفعلون ويقولون من الإعراض عن ذكر الله والتكذيب برسوله . ول «الّذين » من قوله : وأسَرّوا النّجْوَى الّذِينَ ظَلَمُوا في الإعراب وجهان : الخفض على أنه تابع للناس في قوله : اقْتَرَبَ للنّاسِ حِسابُهُمْ والرفع على الردّ على الأسماء الذين في قوله : وأسَرّوا النّجْوَى من ذكر الناس ، كما قيل : ثمّ عَمُوا وَصَمّوا كثِيرٌ مِنْهُمْ . وقد يحتمل أن يكون رفعا على الابتداء ، ويكون معناه : وأسرّوا النجوى ، ثم قال : هم الذين ظلموا .
وقوله : أفَتَأتُونَ السّحْرَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ يقول : وأظهروا هذا القول بينهم ، وهي النجوى التي أسرّوها بينهم ، فقال بعضهم لبعض : أتقبلون السحر وتصدّقون به وأنتم تعلمون أنه سحر ؟ يعنون بذلك القرآن كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أفَتَأُتُونَ السّحْرَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ قال : قاله أهل الكفر لنبيهم لما جاء به من عند الله ، زعموا أنه ساحر ، وأن ما جاء به سحر ، قالوا : أتأتون السحر وأنتم تبصرون ؟
{ لاهية قلوبهم } أي استمعوه جامعين بين الاستهزاء والتلهي والذهول عن التفكر فيه ، ويجوز أن يكون من واو { يلعبون } وقرئت بالرفع على أنها خبر آخر للضمير . { وأسروا النجوى } بالغوا في إخفائها أو جعلوها بحيث خفي تناجيهم بها . { الذين ظلموا } بدل من واو { وأسروا } للإيماء بأنهم ظالمون فيما أسروا به ، أو فاعل له والواو لعلامة الجمع أو مبتدأ والجملة المتقدمة خبره وأصله وهؤلاء أسروا النجوى فوضع الموصول موضعه تسجيلا على فعلهم بأنه ظلم أو منصوب على الذم . { هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون } بأمره في موضع النصب بدلا من { النجوى } ، أو مفعولا لقول مقدر كأنهم استدلوا بكونه بشرا على كذبه في ادعاء الرسالة لاعتقادهم أن الرسول لا يكون إلا ملكا ، واستلزموا منه أن ما جاء به من الخوارق كالقرآن سحر فأنكروا حضوره ، وإنما أسروا به تشاورا في استنباط ما يهدم أمره ويظهر فساده للناس عامة .
قوله تعالى : { لاهية } حال بعد الحال{[8197]} ، واختلف النحاة في إعراب قوله { وأسروا النجوى الذين ظلموا } فذهب سيبويه رحمه الله إلى أن الضمير في { أسروا } فاعل وأن { الذين } بدل منه وقال رحمه الله لغة أكلوني البراغيث ليست في القرآن ، وقال أبو عبيدة وغيره الواو والألف علامة أن الفاعل مجموع كالتاء في قولك قامت هند و { الذين } فاعل ب { أسروا } وهذا على لغة من قال أكلوني البراغيث ، وقالت فرقة الضمير فاعل و { الذين } مرتفع بفعل مقدر تقديره أسرها الذين أو قال الذين ع والوقوف على { النجوى } في هذا القول وفي الأول أحسن ولا يحسن في الثاني ، وقالت فرقة { الذين } مرتفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هم الذين ظلموا ، والوقف مع هذا حسن ، وقالت فرقة { الذين } في موضع نصب بفعل تقديره أعني الذين ، وقالت فرقة { الذين } في موضع خفض بدل من { الناس } [ الأنبياء : 1 ] ع وهذه أقوال ضعيفة ومعنى { أسروا النجوى } تكلموا بينهم في السر والمناجاة بعضهم لبعض ، وقال أبو عبيدة { أسروا } أظهروا وهو من الأضداد ، ثم بين تعالى الأمر الذي يتناجون به وهو قول بعضهم لبعض { هل هذا إلا بشر مثلكم } ، ثم قال بعضهم لبعض على جهة التوبيخ في الجهالة { أفتأتون السحر } أي ما يقول شبهوه بالسحر ، المعنى أفتتبعون السحر { وأنتم تبصرون } أي تدركون أنه سحر وتعلمون ذلك ، كأنهم قالوا تضلون على بينة ومعرفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.