الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡۖ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ} (3)

{ لاَهِيَةً } ساهية { قُلُوبُهُمْ } معرضة عن ذكر الله ، من قول العرب : لهيت عن الشيء إذا تركته ، ولاهية نعت تقدّم الاسم ومن حقّ النعت أن يتبع الاسم في جميع الاعراب ، فإذا تقدّم النعت الاسم فله حالتان : فصل ووصل ، فحاله في الفصل النصب كقوله سبحانه

{ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ } [ القمر : 7 ]

{ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } [ الإنسان : 14 ] و { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } . قال الشاعر :

لعزّة موحشاً طلال *** يلوح كأنّه خلل

أراد : طلل موحش ، وحاله في الوصل حال ما قبله من الإعراب كقوله تعالى

{ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا } [ النساء : 75 ] قال ذو الرمّة :

قد أعسف النازح المجهول معسفة *** في ظلّ أخضر يدعو هامه البوم

أراد معسفه مجهول وإنّما نصب لانتصاب النازح .

وقال النابغة :

من وحش وجرة موشّي أكارعه *** طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد

أراد أنّ أكارعه مَوشيّة .

{ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ } كان حقّه وأسرّ لأنه فعل تقدّم الاسم فاختلف النحاة في وجهه ، فقال الفرّاء : الذين ظلموا في محلّ الخفض على أنّه تابع للناس في قوله { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } .

وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير أراد والذين ظلموا أسرّوا النجوى .

وقال قطرب : وهذا سائغ في كلام العرب وحُكي عن بعضهم أنه قال : سمعت بعض العرب يقول : أكلوني البراغيث قال الله سبحانه

{ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [ المائدة : 71 ] . وقال الشاعر :

بك نال النصال دون المساعي *** فاهتدين النبال للأغراض

ويحتمل أن يكون محل الذين رفعاً على الابتداء ، ويكون معناه وأسَروّا النّجوى ، ثمّ قال هم الذين ظلموا .

{ هَلْ هَذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أنّه سِحر