فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡۖ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ} (3)

و{ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } حال أيضاً والمعنى : ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث في حال من الأحوال إلا في الاستماع مع اللعب والاستهزاء ولهوة القلوب ، وقرئ : «لاهية » بالرفع كما قرئ : «محدث » بالرفع { وَأَسَرُّوا النجوى الذين ظَلَمُوا } النجوى : اسم من التناجي ، والتناجي لا يكون إلا سرّاً ، فمعنى إسرار النجوى : المبالغة في الإخفاء . وقد اختلف في محل الموصول على أقوال ، فقيل : إنه في محل رفع بدل من الواو في { أسرّوا } ، قاله المبرد وغيره . وقيل : هو في محل رفع على الذمّ . وقيل : هو فاعل لفعل محذوف ، والتقدير : يقول الذين ظلموا ، واختار هذا النحاس ، وقيل : في محل نصب بتقدير أعني . وقيل : في محل خفض على أنه بدل من الناس ذكر ذلك المبرد . وقيل : هو في محل رفع على أنه فاعل { أسرّوا } على لغة من يجوّز الجمع بين فاعلين ، كقولهم : أكلوني البراغيث ، ذكر ذلك الأخفش ، ومثله { ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ منْهُمْ } [ المائدة : 71 ] ومنه قول الشاعر :

فاهتدين البغال للأغراض *** . . .

وقول الآخر :

ولكن دنا بي أبوه وأمه *** بحوران يعصرن السليط أقاربه

وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير ، أي والذين ظلموا أسرّوا النجوى . قال أبو عبيدة : أسرّوا هنا من الأضداد ، يحتمل أن يكون بمعنى : أخفوا كلامهم ، ويحتمل أن يكون بمعنى : أظهروه وأعلنوه { هَلْ هذا إِلا بَشَرٌ مثْلُكُمْ } هذه الجملة بتقدير القول قبلها ، أي قالوا : هل هذا الرسول إلا بشر مثلكم لا يتميز عنكم بشيء ؟ ويجوز أن تكون هذه الجملة بدلاً من النجوى ، وهل بمعنى النفي أي : وأسرّوا هذا الحديث ، والهمزة في { أَفَتَأْتُونَ السحر } للإنكار ، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره ، وجملة : { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } في محل نصب على الحال ، والمعنى : إذا كان بشراً مثلكم ، وكان الذي جاء به سحراً ، فكيف تجيبونه إليه وتتبعونه .

/خ9