الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡۖ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ} (3)

ومن قرأ : { لاَهِيَة } بالرفع فالحال واحدة ، لأن { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } خبر بعد خبر ، لقوله : { وَهُمْ } واللاهية : من لها عنه إذا ذهل وغفل ، يعني أنهم وإن فطنوا فهم في قلة جدوى فطنتهم كأنهم لم يفطنوا أصلاً ، وثبتوا على رأس غفلتهم ، وذهولهم عن التأمّل والتبصر بقلوبهم [ ( وأسروا النجوى ) ]

فإن قلت : النجوى وهي اسم من التناجي لا تكون إلا خفية ، فما معنى قوله : { وَأَسَرُّواْ } ؟ قلت : معناه وبالغوا في إخفائها . أو جعلوها بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم ولا يعلم أنهم متناجون ، أبدل { الذين ظَلَمُواْ } من واو وأسرّوا ، إشعاراً بأنهم الموسومون بالظلم الفاحش فيما أسرّوا به . أو جاء على لغة من قال «أكلوني البراغيث » أو هو منصوب المحل على الذم . أو هو مبتدأ خبره { وَأَسَرُّواْ النجوى } قدّم عليه . والمعنى : وهؤلاء أسروا النجوى . فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلاً على فعلهم بأنه ظلم { هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } هذا الكلام كله في محل النصب بدلاً من النجوى ، أي : وأسروا هذا الحديث . ويجوز أن يتعلق بقالوا مضمراً : اعتقدوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا ملكاً ، وأن كل من ادّعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة هو ساحر ومعجزته سحر ، فلذلك قالوا على سبيل الإنكار : أفتحضرون السحر وأنتم تشاهدون وتعاينون أنه سحر .

فإن قلت : لم أسروا هذا الحديث وبالغوا في إخفائه ؟ قلت : كان ذلك شبه التشاور فيما بينهم ، والتحاور في طلب الطريق إلى هدم أمره ، وعمل المنصوبة في التثبيط عنه وعادة المتشاورين في خطب أن لا يشركوا أعداءهم في شوراهم ، ويتجاهدوا في طيّ سرّهم عنهم ما أمكن واستطيع . ومنه قول الناس : " استعينوا على حوائجكم بالكتمان " وَيُرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويجوز أن يسرّوا نجواهم بذلك ثم يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين : إن كان ما تدعونه حقاً فأخبرونا بما أسررنا .