34- إن الله يثبت عنده علم الساعة فلا يعلمها أحد سواه ، وينزل المطر في موعده الذي ضربه له ، ويعلم ما في الأرحام ، أى يعلم مصير هذا الخارج من الأرحام إلى الدنيا بين الشقاء والسعادة ، وبين التوفيق والخذلان ، وبين مقدار إقامته في الدنيا وخروجه منها . وما تعلم نفس بارة أو فاجرة ما تكسبه في غدها من خير أو شر ، وما تعلم نفس ببقعة الأرض التي فيها ينقضي أجلها ، لأن الله تام العلم والخبرة لكل شيء ، ولا يظهر على غيبه أحداً .
{ 34 } { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
قد تقرر أن اللّه تعالى أحاط علمه بالغيب والشهادة ، والظواهر والبواطن ، وقد يطلع اللّه عباده على كثير من الأمور الغيبية ، وهذه [ الأمور ]{[678]} الخمسة ، من الأمور التي طوى علمها عن جميع المخلوقات ، فلا يعلمها نبي مرسل ، ولا ملك مقرب ، فضلا عن غيرهما ، فقال : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } أي : يعلم متى مرساها ، كما قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً } الآية .
{ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } أي : هو المنفرد بإنزاله ، وعلم وقت نزوله .
{ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } فهو الذي أنشأ ما فيها ، وعلم ما هو ، هل هو ذكر أم أنثى ، ولهذا يسأل الملك الموكل بالأرحام ربه : هل هو ذكر أم أنثى ؟ فيقضي اللّه ما يشاء .
{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } من كسب دينها ودنياها ، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } بل اللّه تعالى ، هو المختص بعلم ذلك جميعه .
ولما خصص هذه الأشياء ، عمم علمه بجميع الأشياء فقال : { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } محيط بالظواهر والبواطن ، والخفايا والخبايا ، والسرائر ، ومن حكمته التامة ، أن أخفى علم هذه الخمسة عن العباد ، لأن في ذلك من المصالح ما لا يخفى على من تدبر ذلك .
هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها ، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها ؛ فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب ، { لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ } [ الأعراف : 187 ] ، وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله ، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومَنْ شاء الله من خلقه . وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه [ الله ]{[22996]} تعالى سواه ، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى ، أو شقيا أو سعيدا علم الملائكة الموكلون بذلك ، ومَنْ شاء الله من خلقه . وكذلك لا تدري نفس ماذا تكسب غدا في دنياها وأخراها ، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان ، لا علم لأحد بذلك . وهذه شبيهة بقوله تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ } الآية [ الأنعام : 59 ] . وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس : مفاتيح الغيب .
قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني حسين بن واقد ، حدثني عبد الله بن بُرَيدة ، سمعت أبي - بُرَيدة -{[22997]} يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }{[22998]} .
هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجوه .
حديث ابن عمر : قال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر{[22999]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {[23000]} مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .
انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه في " كتاب الاستسقاء " من صحيحه ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، عن سفيان بن سعيد الثوري ، به{[23001]} . ورواه في التفسير من وجه آخر فقال :
حدثنا يحيى بن سليمان ، حدثنا ابن وهب ، حدثني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر : أن أباه حدثه أن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفاتيح الغيب خمس " . ثم قرأ : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } انفرد به أيضا {[23002]} .
ورواه الإمام أحمد عن غُنْدَر ، عن شعبة ، عن عمر بن محمد ؛ أنه سمع أباه يحدث ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }{[23003]} .
[ حديث ابن مسعود ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، حدثني عمرو بن مُرَّة ، عن عبد الله بن سلمة قال : قال عبد الله{[23004]} : أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير خمس : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ] {[23005]} {[23006]} .
وكذا رواه عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، به . وزاد في آخره : قال : قلت له : أنت سمعته من عبد الله ؟ قال : نعم . أكثر من خمسين مرة{[23007]} .
ورواه أيضا عن وَكِيع ، عن مِسْعَر ، عن عمرو بن مرة به{[23008]} .
وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه .
حديث أبي هريرة : قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إسحاق ، عن جرير ، عن أبي حيان ، عن أبي زُرْعَةَ ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه{[23009]} ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس ، إذ أتاه رجل يمشي ، فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ قال : «الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه ، وتؤمن بالبعث الآخر » . قال : يا رسول الله ، ما الإسلام ؟ قال : «الإسلام : أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان » . فقال : يا رسول الله ، ما الإحسان ؟ قال : «الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » . قال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثك عن أشراطها : إذا ولدت الأمَةُ رَبَّتَهَا ، فذاك من أشراطها . وإذا كان الحفاة العُرَاة رؤوس الناس ، فذاك من أشراطها ، في خمس لا يعلمهن{[23010]} إلا الله . { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } ، ثم انصرف الرجل فقال : «ردُّوه عَلَيَّ » . فأخذوا ليردوه ، فلم يروا شيئًا ، فقال : «هذا جبريل ، جاء ليعلم الناس دينهم »{[23011]} .
ورواه البخاري أيضا في " كتاب الإيمان " ، ومسلم من طرق ، عن أبي حيان ، به{[23012]} . وقد تكلمنا عليه في أول شرح البخاري . وذكرنا ثم حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ذلك بطوله ، وهو من أفراد مسلم{[23013]} .
حديث ابن عباس : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا شَهْر ، حدثنا عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا له ، فأتاه جبريل فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم{[23014]} واضعا كفيه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، [ حدثني ]{[23015]} ما الإسلام ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل ، وتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله " . قال : فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت ؟ قال : " إذا فعلت ذلك فقد أسلمت " . قال : يا رسول الله ، فحدِّثني ما الإيمان ؟ قال : " الإيمان : أن تؤمن بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، وتؤمن بالموت ، وبالحياة بعد الموت ، وتؤمن بالجنة والنار ، والحساب والميزان ، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره " . قال : فإذا فعلت ذلك فقد آمنت ؟ قال : " إذا {[23016]} فعلت ذلك فقد آمنت " . قال : يا رسول الله ، حدثني ما الإحسان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك " . قال : يا رسول الله ، فحدثني متى الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله . في خمس لا يعلمهن إلا هو :{[23017]} { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ، ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك ؟ " . قال : أجل ، يا رسول الله ، فحدثني . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيت الأمَة ولدت رَبَّتَها - أو : ربها - ورأيت أصحاب الشاء يتطاولون في البنيان ، ورأيت الحفاة الجياع العالة [ كانوا رؤوس الناس ، فذلك من معالم الساعة وأشراطها " . قال : يا رسول الله ، ومَنْ أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة ؟ قال : " العرب " ]{[23018]} {[23019]}( 10 ) .
حديث رجل من بني عامر : روى الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن رِبْعي بن حِرَاش ، عن رجل من بني عامر ؛ أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : " اخرُجي إليه ، فإنه لا يحسن الاستئذان فقولي له : فليقل : " السلام عليكم ، أأدخل ؟ " قال : فسَمعتهُ يقول ذلك ، فقلت : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فأذن ، فدخلت ، فقلت : بم أتيتنا به ؟ قال : " لم آتكم إلا بخير ، أتيتكم أن تعبدوا الله وحده لا شريك له ، وأن تَدَعوا اللات والعزى ، وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات ؛ وأن تصوموا من السنة شهرًا ، وأن تحجوا البيت ، وأن تأخذوا الزكاة من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم " . قال : فقال : فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه ؟ قال : " قد عَلم الله عز وجل خيرًا ، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل : الخمس : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . {[23020]} وهذا إسناد صحيح .
وقال ابن أبي نَجِيِح ، عن مجاهد : جاء رجل من أهل البادية فقال : إن امرأتي حبلى ، فأخبرني ما تلد ؟ وبلادنا جَدبَةٌ ، فأخبرني متى ينزل الغيث ؟ وقد عَلمتُ متى وُلدتُ فأخبرني متى أموت ؟ فأنزل الله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [ وَيُنزلُ الْغَيْثَ ] } {[23021]} ، إلى قوله : { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . قال مجاهد : وهي{[23022]} مفاتيح الغيب التي قال الله تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ } [ الأنعام : 59 ] . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .
وقال الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : مَنْ حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا }{[23023]} .
وقوله : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } : قال قتادة : أشياء استأثر الله بهن ، فلم يُطلع عليهن مَلَكا مقربًا ، ولا نبيا مرسلا { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } ، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة ، في أي سنة أو في أي شهر ، أو ليل أو نهار ، { وَيُنزلُ الْغَيْثَ } ، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ، ليلا أو نهارًا ، { وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } ، فلا يعلم أحد ما في الأرحام ، أذكر أم أنثى ، أحمر أو أسود ، وما هو ، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } ، أخير أم شر ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت ؟ لعلك الميت غدا ، لعلك المصاب غدا ، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض ، أفي بحر أم بر ، أو سهل أو جبل ؟
وقد جاء في الحديث : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض ، جعل له إليها حاجة " ، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير ، في مسند أسامة بن زيد :
حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن أبي المليح ، عن أسامة{[23024]} بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما جعل الله ميتَة{[23025]} عبد بأرض إلا جعل له فيها حاجة " {[23026]} .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو داود الحَفَريّ ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مَطَر بن عُكَامِس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[23027]} : إذا قضى الله ميتة عبد بأرض ، جعل له إليها حاجة " .
وهكذا رواه الترمذي في " القدر " ، من حديث سفيان الثوري ، به{[23028]} . ثم قال : " حسن غريب ، ولا يعرف لمطر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث . وقد رواه أبو داود في " المراسيل " ، {[23029]} فالله أعلم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن أبي المليح بن أسامة{[23030]} عن أبي عزة {[23031]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض روح عبد بأرض جعل له فيها - أو قال : بها - حاجة " .
وأبو عزة هذا هو : يَسَار{[23032]} بن عبد الله ، ويقال : ابن عبد الهُذَلي .
وأخرجه الترمذي من حديث إسماعيل [ بن إبراهيم - وهو ابن عُلَيّة{[23033]} ، وقال : صحيح .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأصفهاني ، حدثنا المؤمل بن إسماعيل ]{[23034]} ، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، عن أبي عزة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض ، جعل له إليها حاجة ، فلم ينته حتى يقدمها " . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }{[23035]} .
حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن ثابت الجَحْدَري ومحمد بن يحيى القُطَعي قالا حدثنا عُمَر بن علي ، حدثنا إسماعيل ، عن قيس ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة " . ثم قال البزار : وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرفعه إلا عُمَر بن علي المُقَدميّ . {[23036]} ( 10 ) وقال ابن أبي الدنيا : حدثني سليمان بن أبي مسيح{[23037]} ( 11 ) قال : أنشدني محمد بن الحكم لأعشى هَمْدان :
فَمَا تَزَوّدَ ممَّا كَانَ يَجْمَعُه *** سِوَى حَنُوط غَدَاةَ البَيْن مَع خرَق . . .
وَغَيْرِ نَفْحة أعْوَاد تُشَبّ لَُه *** وَقلّ ذَلكَ مِنْ زَاد لمُنْطَلق !
لا تَأسَيَنّ عَلَى شَيْء فَكُلّ فَتَى *** إلَى مَنيّته سَيَّارُ في عَنَق{[23038]} ( 12 )
وَكُلّ مَنْ ظَنّ أنّ الموتَ يُخْطِئهُ *** مُعَلَّلٌ بأعَاليل مِنَ الحَمق
بأيّمَا بَلْدَة تُقْدَر منيته *** إنْ لا يُسَيَّرْ إلَيها طَائعًا يُسَق
أورده الحافظ ابن عساكر ، رحمه الله ، في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث ، {[23039]} وهو أعشى هَمْدَان ، وكان الشعبي زوجَ أخته ، وهو مُزَوّج بأخت الشعبي أيضا ، وقد كان ممن طلب العلم وتَفَقَّه ، ثم عدل إلى صناعة الشعر فعُرف به .
وقد رواه ابن ماجه عن أحمد بن ثابت وعُمَر بن شَبَّة ، كلاهما عن عمر بن علي{[23040]} مرفوعا : «إذا كان أجل أحدكم بأرض أوثَبَتْه{[23041]} إليها حاجة ، فإذا بلغ أقصى أثره {[23042]} ، قبضه الله عز وجل ، فتقول الأرض يوم القيامة : رب ، هذا ما أودعتني » {[23043]} .
قال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي المليح ، عن أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما جعل الله منية عبد بأرض ، إلا جعل له إليها حاجة »{[23044]} .
[ آخر تفسير سورة " لقمان " والحمد لله رب العالمين ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ]{[23045]}
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } .
يقول تعالى ذكره : يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ ، وَاخْشَوْا يَوْما لا يَجْزِي وَالدٌ عَنْ وَلَدِهِ ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئا هو آتيكم علم إتيانه إياكم عند ربكم ، لا يعلم أحد متى هو جائيكم ، لا يأتيكم إلاّ بغتة ، فاتقوه أن يفجأكم بغتة ، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها ، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قِبل لكم به وابتدأ تعالى ذكره الخبر عن علمه بمجيء الساعة . والمعنى : ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه ، فقال : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ التي تقوم فيها القيامة ، لا يعلم ذلك أحد غيره وينزّلُ الغَيْثَ من السماء ، لا يقدر على ذلك أحد غيره وَيَعْلَمُ ما في الأرْحامِ أرحام الإناث وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا يقول : وما تعلم نفس حيّ ماذا تعمل في غد ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ يقول : وما تعلم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منيتها إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ يقول : إن الذي يعلم ذلك كله ، هو الله دون كلّ أحد سواه ، إنه ذو علم بكلّ شيء ، لا يخفى عليه شيء ، خبير بما هو كائن ، وما قد كان . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ قال : جاء رجل قال قال أبو جعفر : أحسبه أنا ، قال إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إنّ امرأتي حُبلى ، فأخبرني ماذا تلد ؟ وبلادنا محل جدبة ، فأخبرني متى ينزل الغيث ؟ وقد علمت متى وَلدت ، فأخبرني متى أموت ، فأنزل الله : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، وَيُنَزّلُ الغَيْثَ . . . إلى آخر السورة ، قال : فكان مجاهد يقول : هنّ مفاتح الغيب التي قال الله وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلاّ هُوَ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ . . . الاَية ، أشياء من الغيب ، استأثر الله بهنّ ، فلم يطلع عليهنّ ملَكا مقرّبا ، ولا نبيا مرسلاً إنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة ، في أيّ سنة ، أو في أيّ شهر ، أو ليل ، أو نهار ويُنزّلُ الغَيْثَ فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ، ليلاً أو نهارا ينزل ؟ وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ فلا يعلم أحد ما فِي الأرحام ، أذكر أو أنثى ، أحمر أو أسود ، أو ما هو ؟ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا خير أم شرّ ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت ؟ لعلك الميت غدا ، لعلك المصاب غدا وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو برّ أو سهل أو جبل ، تعالى وتبارك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبيّ ، قال : قالت عائشة : من قال : إن أحدا يعلم الغيب إلاّ الله فقد كذب ، وأعظمَ الفريةَ على الله . قال الله : لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللّهُ .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن عمرو بن شُعيب أن رجلاً قال : يا رسول الله ، هل من العلم علم لم تؤته ؟ قال : «لَقَدْ أُوتِيتُ عِلْما كَثِيرا ، وَعِلْما حَسَنا » ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الغَيْثَ . . . إلى إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ «لا يَعْلَمُهُنّ إلاّ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عمرو بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسَةٌ ، ثم قرأ هؤلاء الاَيات إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ . . . إلى آخرها » .
حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، أنه سمع ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنّ إلاّ اللّهُ ، إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، ويُنزّلُ الغَيْثَ ، ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ . . . الاَية ، ثم قال : لا يَعْلَمُ ما فِي غَد إلاّ اللّهُ ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى يَنْزِلُ الغَيْثَ إلاّ اللّهُ ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ مَتى قِيامُ السّاعَةِ إلاّ اللّهُ ، وَلا يَعْلَمُ أحَدٌ ما فِي الأرْحامِ إلاّ اللّهُ ، وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُها إلاّ اللّهُ : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، ويُنَزّلُ الغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ ، إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن مسعر ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن ابن مسعود قال : كلّ شيء أوتيه نبيكم صلى الله عليه وسلم ، إلاّ علم الغيب الخمس : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، ويُنَزّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما في الأرْحامِ ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : من حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسبُ غَدا .
قال : ثنا جرير وابن علية ، عن أبي خباب ، عن أبي زُرعة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنّ إلاّ اللّهُ : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ، ويُنَزّلُ الغَيْثَ . . . الاَية » .
حدثني أبو شُرَحبيل ، قال : حدثنا أبو اليمان ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن جعفر ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن ابن مسعود ، قال : كلّ شيء قد أوتي نبيكم غير مفاتح الغيب الخمس ، ثم قرأ هذه الاَية إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ . . . إلى آخرها .
وقيل : بأيّ أرض تموت . وفيه لغة أخرى : «بأيّةِ أرْضٍ » فمن قال : بأيّ أرْضٍ اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يظهر في أيّ تأنيث آخر ، ومن قال «بأيّة أرْضٍ » فأنث ، أي قال : قد تجتزىء بأي مما أضيف إليه ، فلا بدّ من التأنيث ، كقول القائل : مررت بامرأة ، فيقال له : بأية ، ومررت برجل ، فيقال له بأيّ ويقال : أيّ امرأة جاءتك وجاءك ، وأية امرأة جاءتك .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ، وَاخْشَوْا يَوْما لا يَجْزِي وَالدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئا" هو آتيكم علم إتيانه إياكم عند ربكم، لا يعلم أحد متى هو جائيكم، لا يأتيكم إلاّ بغتة، فاتقوه أن يفجأكم بغتة، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قِبل لكم به وابتدأ تعالى ذكره الخبر عن علمه بمجيء الساعة. والمعنى: ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه، فقال: "إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ "التي تقوم فيها القيامة، لا يعلم ذلك أحد غيره، "وينزّلُ الغَيْثَ" من السماء، لا يقدر على ذلك أحد غيره،
"وَيَعْلَمُ ما في الأرْحامِ" أرحام الإناث،
"وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا" يقول: وما تعلم نفس حيّ ماذا تعمل في غد، "وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ" يقول: وما تعلم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منيتها. "إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" يقول: إن الذي يعلم ذلك كله، هو الله دون كلّ أحد سواه، إنه ذو علم بكلّ شيء، لا يخفى عليه شيء، خبير بما هو كائن، وما قد كان... حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسَةٌ، ثم قرأ هؤلاء الآيات "إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ..." إلى آخرها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... ويحتمل أن يكون قوله: {إن الله عنده علم الساعة} أي عنده علم بماهية الساعة وأهوالها ولم يذكر ماهيتها وحدها وقدرها، فأخبر أنه يعلم هو ذلك.
{ويعلم ما في الأرحام} من انتقال النطفة إلى العلقة وانتقال العلقة إلى المضغة وتحول ما في الرحم من حال إلى حال أخرى وقدر زيادة ما فيه في كل وقت وفي كل ساعة ونحو ذلك لا يعلمه إلا الله.
{وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} جائز أن يكون كتم ذلك، وأخفاه، ليكونوا في كل حال على حذر وخوف وعلى يقظة، إذ لو كان أطلعهم على ذلك لكانوا آمنين إلى ذلك الوقت، فيعلمون بكل ما يريدون ويشاؤون. فيكون في ذلك ارتفاع المحنة، فليس ذلك عليهم ليكونوا أبدا في كل وقت وكل حال على حذر وخوف ويقظة، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
إن هذه الخمسة أشياء مما لا يعلمها غيره تعالى على التفصيل والتحقيق. "إن الله عليم "بتفصيل ذلك "خبير" به لا يخفي عليه شيء من ذلك.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من ادعى علم هذه الخمسة فقد كذب، إياكم والكهانة فإن الكهانة تدعو إلى الشرك والشرك وأهله في النار.
وجعل العلم لله والدراية للعبد، لما في الدراية من معنى الختل والحيلة. والمعنى: أنها لا تعرف -وإن أعملت حيلها- ما يلصق بها ويختص ولا يتخطاها، ولا شيء أخص بالإنسان من كسبه وعاقبته، فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما، كان من معرفة ما عداهما أبعد.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقال ابن مسعود: كل شيء أوتي نبيكم إلا مفاتيح الخمس ثم تلا الآية و {علم الساعة} مصدر مضاف إلى المفعول، أي كل ما شأنه أن يعلم من أمر الساعة ولكن الذي استأثر الله تعالى به هو علم الوقت وغير ذلك قد أعلم ببعض منه.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وعلم: مصدر أضيف إلى الساعة، والمعنى: علم يقين ووقع الإخبار بأن الله استأثر بعلمه هذه الخمس، لأنها جواب لسائل سأل، وهو يستأثر بعلم أشياء لا يحصيها إلا هو.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان من الأمر الواضح أن لسان حالهم بعد السؤال عن تحقق ذلك اليوم يسأل عن وقته كما مضى في غير آية، ويأتي في آخر التي بعدها، إما تعنتاً واستهزاء وإما حقيقة، أجاب عن ذلك ضاماً إليه أخواته من مفاتيح الغيب، لما في ذلك من الحكمة التي سيقت لها السورة، مرتباً لها على الأبعد فالأبعد عن علم الخلق.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَيُنَزّلُ الغيث} في إبَّانهِ الذي قدَّره وإلى محلِّهِ الذي عيَّنه في علمِه {إِنَّ الله عَلِيمٌ} مبالغٌ في العلمِ فلا يعزبُ عن علمِه شيءٌ من الأشياءِ التي من جُملتِها ما ذُكر.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
{وينزل الغيث} في وقته المقدر له، ومكانه المعين في علمه تعالى، والفلكيون وإن علموا الخسوف والكسوف، ونزول الأمطار بالأدلة الحسابية، فليس ذلك غيبا، بل بأمارات وأدلة تدخل في مقدور الإنسان، ولاسيما أن بعضها قد يكون أحيانا في مرتبة الظن، لا في مرتبة اليقين.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... معنى حصر مفاتح الغيب في هذه الخمسة: أنها هي الأمور المغيّبة المتعلقة بأحوال الناس في هذا العالم، وأن التعبير عنها بالمفاتح أنها تكون مجهولة للناس فإذا وقعت فكأنَّ وقوعها فَتح لما كان مغلقاً.
وأما بقية أحوال الناس فخفاؤها عنهم متفاوت ويمكن لبعضهم تعيينها مثل تعيين يوم كذا للزفاف ويوم كذا للغزو وهكذا مواقيت العبادات والأعياد، وكذلك مقارنات الأزمنة مثل: يوم كذا مدخل الربيع؛ فلا تجد مغيبات لا قِبَل لأحد بمعرفة وقوعها من أحوال الناس في هذا العالم غير هذه الخمسة، فأما في العَوالم الأخرى وفي الحياة الآخرة فالمغيبات عن علم الناس كثيرة وليست لها مفاتح عِلم في هذا العالم.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
{ما في الأرحام}، لا يخص أرحام النساء وحدهن، بل يشمل أرحام الحوامل من كل الإناث، سواء في ذلك إناث الإنسان وإناث غيره من الحيوان، فعلم الله تعالى محيط شامل، وإحصاؤه لخلقه إحصاء كامل، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار} (8: 13)، وصدق الله العظيم إذ قال (32: 53): {هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهكذا تنتهي السورة، كما لو كانت رحلة هائلة بعيدة الآماد والآفاق والأغوار والأبعاد. ويؤوب القلب من هذه الرحلة المديدة البعيدة، الشاملة الشاسعة، وئيد الخطى لكثرة ما طوف، ولجسامة ما يحمل، ولطول ما تدبر وما تفكر، في تلك العوالم والمشاهد والحيوات! وهي بعد سورة لا تتجاوز الأربع والثلاثين آية. فتبارك الله خالق القلوب، ومنزل هذا القرآن شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين..