السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

وروي أنّ الحارث بن عمرو أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال متى قيام الساعة وإني قد ألقيت حباً في الأرض فمتى السماء تمطر ، وحمل امرأتي أذكر أم أنثى وما أعمل غداً وأين أموت ؟ فنزل قوله تعالى : { إن الله } أي : بما له من العظمة وجميع أوصاف الكمال { عنده } أي : خاصة { علم الساعة } أي : وقت قيامها لا علم لغيره بذلك أصلاً { وينزل الغيث } أي : في أوانه المقدّر له والمحل المعين له في علمه ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بفتح النون وتشديد الزاي ، والباقون بسكون النون وتخفيف الزاي { ويعلم ما في الأرحام } أي : من ذكر أو أنثى أحيّ أو ميت تامّ أو ناقص { وما تدري نفس } أي : من الأنفس البشرية وغيرها { ماذا تكسب غداً } أي : من خير أو شرّ وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه .

{ وما تدري نفس بأي : أرض تموت } أي : كما لا تدري في أي : وقت تموت ويعلمه الله تعالى ، وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : جاء رجل من أهل البادية فقال : يا رسول الله إنّ امرأتي حبلى فأخبرني ما تلد ، وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وعن عكرمة أنّ رجلاً يقال له الوارث من بني خازن جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد متى قيام الساعة وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب ، وقد تركت امرأتي حبلى فمتى تلد ، وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب غداً ، وقد علمت بأيّ أرض ولدت فبأي أرض أموت ؟ فنزلت هذه الآية ، وعن قتادة قال : خمس من الغيب استأثر الله بهنّ فلم يطلع عليهنّ ملكاً مقرّباً ولا نبياً مرسلاً : إنّ الله عنده علم الساعة فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة في أي سنة ولا في أي شهر أليلاً أم نهاراً ، وينزل الغيث فلا يعلم أحد متى ينزل أليلاً أم نهاراً ، ويعلم ما في الأرحام فلا يعلم أحد ما في الأرحام أذكر أم أنثى أحمر أم أسود ، ولا تدري نفس ماذا تكسب غداً أخيراً أم شراً ، وما تدري نفس بأي أرض تموت ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض أفي بحر أم في برّ أم سهل أم جبل .

وعن أحمد وابن أبي شيبة موقوفاً على شهر بن حوشب أنّ ملك الموت مرّ على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه فقال الرجل : من هذا ؟ فقال : ملك الموت ، فقال : فكأنه يريدني فمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند ، فأمر سليمان الريح فحلمته إلى بلاد الهند فوق سحابة فلما استقرّ فيها قبض روحه ملك الموت ، عليه السلام ثم جاء إلى سليمان عليه السلام فسأله عن نظره إلى الرجل ، فقال ملك الموت : كان دوام نظري إليه تعجباً منه إذا أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك ، وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا ما في الأرحام إلا الله ، ولا متى ينزل الغيث إلا الله ، وما تدري نفس بأي : أرض تموت إلا الله » .

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رجلاً قال : يا رسول الله متى الساعة ؟ قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثكم بأشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها فذاك من أشراطها ، وإذا كانت الحفاة الرعاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها ، وإذا تطاول رعاء الغنم في البنيان فذاك من أشراطها . وخمس من الغيب لا يعلمهنّ إلا الله ، ثم تلا إنّ الله عنده علم الساعة إلى آخر الآية ، وعن أبي أمامة أنّ إعرابياً وقف على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر على ناقة له عشراء فقال : يا محمد ما في بطن ناقتي هذه ؟ فقال له رجل من الأنصار : دع عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلم إلي حتى أخبرك ، وقعت أنت عليها وفي بطنها ولد منك ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : «إنّ الله يحب كل حيي كريم ويبغض كل قاس لئيم متفحش ثم أقبل على الأعرابي فقال خمس لا يعلمهنّ إلا الله إنّ الله عنده علم الساعة الآية » وعن سلمة بن الأكوع قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء إذ جاءه رجل على فرس فقال له من أنت : «قال أنا رسول الله قال : متى الساعة قال غيب وما يعلم الغيب إلا الله قال : ما في بطن فرسي قال : غيب وما يعلم الغيب إلا الله قال : فمتى نمطر قال : غيب وما يعلم الغيب إلا الله » وعن ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس إنّ الله عنده علم الساعة الآية » .

وعن ابن مسعود قال : أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير خمس : إنّ الله عنده علم الساعة الآية ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لم يعم على نبيكم إلا الخمس من سرائر الغيب هذه الآية في آخر لقمان : إنّ الله عنده علم الساعة إلى آخر السورة ، وعن ربعي قال : حدّثني رجل من بني عامر أنه قال : يا رسول الله هل بقي من العلم شيء لا تعلمه ؟ فقال : «لقد علمني الله خيراً وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله الخمس إن الله عنده علم الساعة الآية » .

وعن بنت معوّذ قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسي وعندي جاريتان تغنيان وتقولان : وفينا نبيّ يعلم ما في غد فقال : «أما هذا فلا تقولاه ما يعلم ما في غد إلا الله » وعن ابن عزة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تدري نفس بأي : أرض تموت » ، وعن أبي مالك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم : «بينما هو جالس في مجلس فيه أصحابه جاءه جبريل في غير صورته يحسبه رجلاً من المسلمين فسلم فردّ ، عليه السلام ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله ما الإسلام ؟ قال : أن تسلم وجهك لله وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، قال : فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت قال نعم ثم قال : ما الإيمان قال أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين والموت والحياة بعد الموت والجنة والنار والحساب والميزان والقدر خيره وشرّه ، قال فإذا فعلت ذلك فقد آمنت قال نعم ثم قال ما الإحسان قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك قال : فإذا فعلت ذلك فقد أحسنت قال : نعم ثم قال فمتى الساعة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله : إنّ الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت » .

{ إن الله } أي : المختص بأوصاف الكمال { عليم } أي : شامل علمه للأمور كلها كلياتها وجزئياتها ، فأثبت العلم المطلق لنفسه سبحانه بعد أن نفاه عن الغير في هذه الخمس { خبير } أي : يعلم خبايا الأمور وخفايا الصدور ، كما يعلم ظواهرها وجلاياها كل عنده على حدّ سواء فهو الحكيم في ذاته وصفاته ، ولذلك أخفى هذه المفاتيح عن عباده ؛ لأنه لو أطلعهم عليها لفات كثير من الحكم باختلال هذا النظام على ما فيه من الأحكام فقد انطبق آخر السورة بإثبات العلم والخبر مع تقرير أمر الساعة التي هي مفتاح الدار الآخرة على أوّلها المخبر بحكمة صفته التي من علمها حق علمها وتخلق بما دعت إليه وحضت عليه ، لا سيما الإيقان بالآخرة كان حكيماً . فسبحان من هذا كلامه وتعالى كبرياؤه وعز مرامه . وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقاً يوم القيامة ، وأعطي من الحسنات عشراً بعدد من عمل المعروف ونهى عن المنكر » حديث موضوع .