غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

20

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " مفاتيح الغيب خمس " وتلا قوله { إن الله عنده علم الساعة } إلى آخرها . وعن المنصور ، أنه همه معرفة مدة عمره فرأى في منامه كأن خيالاً أخرج يده من البحر وأشار إليه بالأصابع الخمس . فاستفتى العلماء في ذلك فتأولوها بخمس سنين وبخمسة أشهر وبغير ذلك حتى قال أبو حنيفة : تأويلها أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله ، وأن ما طلبت معرفته لا سبيل لك إليه . قال في التفسير الكبير : ليس مقصود الآية أنه تعالى مختص بمعرفة هذه الأمور فقط فإنه يعلم الجوهر الفرد أين هو وكيف هو من أول يوم خلق العالم إلى يوم النشور ، وإنما المراد أنه تعالى حذر الناس من يوم القيامة . كان لقائل أن يقول : متى الساعة ؟ فذكر أن هذا العلم لا يحصل لغيره ولكن هو كائن لدليلين ذكرهما مراراً وهو إنزال الغيث المستلزم لإحياء الأرض وخلق الأجنة في الأرحام ، فإن القادر على الإبداء قادر على الإعادة بالأولى . ثم إنه كأنه قال : أيها السائل إن لك شيئاً أهم منها لا تعلمه فإنك لا تعلم معاشك ومعادك فلا تعلم { ماذا تكسب غداً } مع أنه فعلك وزمانك ولا تعلم أين تموت مع أنه شغلك ومكانك فكيف تعلم قيام الساعة ؟ والسر في إخفاء الساعة وإخفاء وقت الموت بل مكانة هو أنه ينافي التكليف كما مر في أول " طه " ، ولو علم المكلف مكان موته لأمن الموت إذا كان في غيره . والسر في إخفاء الكسب في غير الوقت الحاضر هو أن يكون المكلف أبدا مشغول السر بالله معتمداً عليه في أسباب الرزق وغيره . روي أن ملك الموت مر على سليمان عليه السلام فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه . فقال الرجل : من هذا ؟ قال : ملك الموت . فقال : كأنه يريدني . وسأل سليمان أن يحمله على الريح إلى بلاد الهند ففعل . ثم قال ملك الموت لسليمان : كان نظري إليه تعجباً منه لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك . قال جار الله : جعل العلم لله والدراية للعبد لما في الدراية من معنى الختل والحيلة كأنه قال : إنها لا تعرف وإن أعلمت حيلها وقرئ { بآية أرض } والأفصح عدم تأنيثه .

/خ34