اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

قوله تعالى : { إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة . . . } الآية ، نزلت في الوارثِ{[42678]} بن حارثَة محارب بن خصفة «أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - من البادية فسأله عن الساعة ووقتها ، وقال إن أرضنا أَجْدَبَتْ فمتى ينزل الغيث ؟ وتركت امرأتي حُبْلَى فمتى تلد ؟ وقد علمت أَيْنَ ولدت فبأي أرض أموت ؟ فأنزل الله هذه الآية روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ علمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ »{[42679]} . قال ابن الخطيب : قال بعض المفسِّرينَ : إن الله تعالى نفى ( علم{[42680]} ) أمور خمسة عن غيره بهذه الآية وهو كذلك لكن المقصودَ ليس ذلك لأن اللَّهَ يعلمُ الجوهر الفرد والطوفان وتقلب الريح من المشرِق إلى المغرب كَمْ مرةً ويعلم أين هُوَ ولا يعلمه غيره ويعلم أنه ( ذَرَّهُ{[42681]} ) في بَريَّة لا يسلكها أحد ولا يعلمها غيره فلا وجه لاختصاص هذه الأشياء بالذكر وإنَّ الحق فيه أن نقول لما قال : اخْشَوا يوماً لا يجْزي والد عن ولده وذكر أنه كائن بقوله : { إن وعد الله حق } كأن قائلاً قال : فمَتَى يكون هذا اليوم ؟ فأجيب بأن هذا العلم مما لَمْ يَحْصُل لغير الله ولكن هو كائن{[42682]} .

قوله : «مَاذَا تَكْسبُ » يجوز أن تكون «ما » استفهامية فتعلق الدراية ، وأن تكونَ موصولة فينتصب{[42683]} بها ، وقد تقدم حكم «مَاذَا » أول الكتاب وتكرر في غُضونِِهِِ .

قوله : { بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } «بأَيِّ أَرْضٍ » متعلق «بتَمُوتُ » وهو متعلق للدراية فهو في محل نَصْبٍ ، وقرأ أُبَيُّ بن كعب وموسى{[42684]} الأهوازيّ «بأية أرض » على تأنيثها{[42685]} ، وهي لغة ضعيفة كتأنيث «كُلّ » حيث قالوا : كُلُّهُنَّ ( فَعَلْنَ{[42686]} ذَلِكَ ) والمشهور بأيِّ أرض ؛ لأن الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء ، وقيل : أراد بالأرض المكان . نقله البغوي{[42687]} والباطن فيه بمعنى في أي ( في{[42688]} ) أرضٍ نحو : زَيْدٌ بِمَكَّةَ أي فيها ، ثم قال : { إِنَّ الله عَلَيمٌ خَبِيرٌ } لما خصص أولاً علمه بالأشياء المذكورة بقوله : { إن الله عنده علم الساعة } ذكر أن علمه غير مختصّ بل هو عليم مطلقاً بكل شيء وليس علمه بظاهر الأشياء فقط بل هو خبير بظواهر الأشياء وبواطنها .

ختام السورة:

روى الثعلبي عن أُبَيِّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرََأ سُورَةُ لُقْمَان كان له لقمانُ رفيقاً يوم القيامة وأعْطِيَ من الحسنات عشراً بعدد من عَمِلَ بالمعروف ونَهَى عن المنكر »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[42678]:انظر: الكشاف 3/238 والقرطبي 14/83 وزاد المسير 6/329 و 330.
[42679]:الحديث رواه الإمام البخاري 3/174 و 175 عن ابن عمر، وانظر مسند الإمام أحمد 2/24، 52، 58.
[42680]:ساقط من "ب".
[42681]:ساقط من "ب".
[42682]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/164.
[42683]:ذكره ابن الأنباري في البيان 2/257.
[42684]:لم أقف عليه.
[42685]:نقلها ابن خالويه في المختصر 117.
[42686]:زيادة يقتضيها السياق من البحر المحيط 7/195 والكشاف 3/238.
[42687]:البغوي: الإمام الحافظ الفقيه المجتهد أبو محمد الحسين بن مسعود الشافعي صاحب معالم التنزيل وشرح السنة وغير ذلك. انظر: تذكرة الحفاظ 4/1257. وانظر القرطبي 14/83.
[42688]:زيادة من "ب".