إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

{ إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة } علمُ وقتِ قيامِها لما رُوي أنَّ الحارثَ بنَ عمروٍ أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال مَتَى السَّاعةُ وإنيِّ قد ألقيتُ حَبَّاتي في الأرضِ فمتى السماءُ تُمطر ؟ وحَمْلُ امرأتِي ذكرٌ أَمْ أُنثى وما أعملُ غداً ، وأينَ أموتُ فنزلتْ . وعنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( مفاتحُ الغيبِ خمسٌ وتلا هذه الآية{[653]} ) { وَيُنَزّلُ الغيث } في إبَّانهِ الذي قدَّره وإلى محلِّهِ الذي عيَّنه في علمِه ، وقرئ يُنزل من الإنزالِ ، { وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام } من ذكرٍ أو أنثى تامَ أو ناقصٍ { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ } من النُّفوسِ { مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً } من خيرٍ أو شرَ وربما تعزمُ على شيءٍ منهما فتفعلُ خلافَه { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ } كما لا تدرِي في أيِّ وقتٍ تموتُ . رُوي : ( أنَّ ملكَ الموتِ مرَّ على سُليمانَ عليه السَّلامُ فجعلَ ينظرُ إلى رجلٍ من جلسائِه . يُديمُ النَّظرَ إليهِ فقال الرَّجُل مَن هذا قالَ مَلَكُ الموتِ فقال كأنه يُريدني فمرِ الرَّيحَ أن تحملَني وتلقيني ببلادِ الهندِ ففعلَ ثم قال المَلَكُ لسليمانَ عليهما السَّلامُ كان دوامُ نظري إليه تعجُّباً منه حيثُ كنت أُمرتُ بأنْ أقبضَ روحَهُ بالهندِ وهو عندَك ) . ونسبةُ العلمِ إلى الله تعالى والدراية إلى العبدِ للإيذانِ بأنَّه إنْ أعملَ حِيلَه وبذلَ في التَّعرفِ وسعَه لم يعرفْ ما هُو لاحقٌ به من كسبهِ وعاقبتِه فكيف بغيرِه مما لم ينُصبْ له دليلٌ عليه . وقرئ بأيَّةِ أرضٍ . وشبَّه سيبويهِ تأنيثَها بتأنيثِ كلَ في كلتهنَّ . { إِنَّ الله عَلِيمٌ } مبالغٌ في العلمِ فلا يعزبُ عن علمِه شيءٌ من الأشياءِ التي من جُملتِها ما ذُكر . { خَبِيرٌ } يعلمُ بواطنَها كما يعلمُ ظواهرَها .

ختام السورة:

عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : ( منَ قرأَ سورةَ لقمانَ كان له لقمانُ رفيقاً يومَ القيامةِ وأُعطَي من الحسناتِ عشراً بعددِ من عملَ بالمعروفِ ونهى عن المُنكر ) .


[653]:أخرجه البخاري في كتاب التفسير، سورة 6، باب 1، والسورة 31، باب 2، وأحمد في المسند 2 / 122.