التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .

هذا إخبار من الله عن مفاتيح الغيب التي استأثر بعلمها لنفسه فلا يعلمها أحد من خلقه إلا أن يُعلمه الله بها وهي :

علم الساعة فإن خبرها مستور قد خفي على العالمين فلا يدري به أحد إلا الله .

ثم إنزال المطر من السماء إلى الأرض . فإن أحدا سوى الله لا يعلم بذلك قبل نزوله إلا أن يُعلمه الله الوسيلة لمعرفة ذلك . كأهل الخبرة والدراية بعلوم الطبيعة الذين يقفون على أحوال الطقس تبعا لدرجات الحرارة التي تقاس بمقاييسها المعروفة ، مما يشير إلى احتمال نزول الغيث قبل يوم أو يومين من نزوله . ولا يندرج ذلك في عمل الكهان أو القائلين بالأنواء{[3668]} .

ثم قوله : { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } الله يعلم حقيقة ما في الأرحام إن كانوا صلحاء أو طلحاء ، مؤمنين أو كافرين ، طيبين أو خبيثين ، سعداء أو أشقياء ، طائعين أبرارا ، أو عصاة فجارا . كل هذه المعاني المستكنة في كينونة الجنين بدءا بكونه نطفة أو علقة أو مضغة وما بعد ذلك من المراحل البدائية ، لا يعلمها أحد سوى الله . أما ما وقف عليه أهل الخبرة من ذوي الاختصاص في التحليل أو الطب من إمكان الكشف عن الجنين ليُعلم أذكرا هو أم أنثى ، فإن ذلك لا ينافي حقيقة المفهوم للآية الكريمة وهو قوله : { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } و { ما } ، تستعمل لغير العاقل وفيها عموم . فهي تشمل كل ما يجتمع في الجنين من المركبات أو الخصال أو الخصائص ، أو الصفات الخَلقية والخُلقية والنفسية والعقلية الكائنة مستقبلا .

ثم قوله : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا } أي لا يدري أحد من الناس ماذا هو عامل في غده من خير أو شر .

ثم قوله : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } لا يدري أحد متى هو ميت وأين هو موضع مماته . لا يدري أحد أن موته كائن غدا أو بعد غد ، وهل هو في البر أو في البحر ، أو السهل ، أو الجبل ، أو في الفضاء . لا يدري أحد بذلك سوى الله { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } خبر بعد خبر . وقيل : خبير صفة لعليم . والمعنى : أن الله عليم بكل شيء وهو سبحانه علاّم الغيوب على الأسرار والأستار جميعا ، وخبير بعلوم الكون كله في الدنيا والآخرة . وفي ذلك كله روى الإمام أحمد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : { إن الله عنده علم الساعة وينزل ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي لأرض تموت إن الله عليم خبير } {[3669]} .


[3668]:الأنواء: جمع نوء، وهو سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من الشرق يقابله من ساعته. وكانت العرب تصف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط من هذه النجوم أو الطالع منها. انظر مختار الصحاح ص 683 وتفسير القرطبي ج 14 ص 69.
[3669]:الكشاف ج 3 ص 239، وتفسير ابن كثير ج 3 ص 453، وتفسير القرطبي ج 14 ص 83.