الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

{ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } الآية . نزلت في الوارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن خصفة من أهل البادية ، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال : إنّ أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث ؟ وتركتُ امرأتي حبلى فما تلد ؟ وقد علمتُ أين وُلدتْ فبأيّ أرض تموت ؟ فأنزل الله هذه الآية .

أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبدالله بن حمدون ، عن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن محمد بن يحيى ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبي عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبدالله ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال :

" مفاتيحُ الغيب خمسة { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } الآية " .

وروى يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله هل من العلم علم لم تؤته ؟ فقال : لقد أُوتيتُ علماً كثيراً أو علماً حسناً ( أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ تلا رسول الله هذه الآية { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } إلى قوله : { خَبِيرٌ } فقال : هؤلاء خمسة لا يعلمهنّ إلاّ الله تبارك وتعالى .

وأخبرنا أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الحربي قال : أخبرني أبو حامد أحمد بن حمدون بن عمارة الأعمش ، عن علي بن حشرم ، عن الفضل بن موسى ، عن رجل سمّاه قال : بلغ ابن عبّاس أنَّ يهودياً خرج من المدينة يحسب حساب النجوم فأتاه فسأله . فقال : إنْ شئت أنبأتك عن نفسك وعن ولدك . فقال : إنّك ترجع إلى منزلك وتلقى لك بابن محموم ، ولا تمكث عشرة أيّام حتّى يموت الصبي ، وأنت لا تخرج من الدُّنيا حتى تعمى ، فقال ابن عبّاس : وأنت يا يهودي ؟ قال : لا يحول عليَّ الحول حتى أموت ، قال : فأين موتك ؟ قال : لا أدري . قال ابن عبّاس : صدق الله { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } . قال : فرجع ابن عبّاس فتلقّى بابن محموم فما بلغَ عشراً حتّى مات الصبي ، وسأل عن اليهودي قبل الحول فقالوا : مات ، وما خرجَ ابن عبّاس من الدنيا حتّى ذهب بصره . قال علي : هذا أعجب حديث .

قوله : { بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } كان حقه بأيّة أرض ، وبه قرأ أُبيّ بن كعب ، إلاّ أنّ مَن ذَكَّر قال : لاِنّ الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء . وقيل : أراد بالأرض المكان فلذلك ذَكَّر ، وأحتجُ بقول الشاعر :

فلا مزنة ودقت ودقها *** ولا الأرض ابقل ابقالها