النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

قوله : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن قيامها مختص بعلمه .

الثاني : أن قيامها موقوف على إرادته .

{ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } فيما يشاء من زمان ومكان .

{ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ } فيه وجهان :

أحدهما : من ذكر وأنثى ، سليمٍ وسقيم .

الثاني : من مؤمن وكافر وشقي وسعيد .

{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً } فيه وجهان :

أحدهما : من خير أو شر .

الثاني : من إيمان أو كفر .

{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } فيه وجهان :

أحدهما : على أي حكم تموت من سعادة أو شقاء ، حكاه النقاش .

الثاني : في أي أرض يكون موته ودفنه وهو أظهر . وقد روى أبو مليح عن أبي عزة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْضَ رُوحٍ عَبْدٍ بَأَرْضٍ جَعَلَ [ له ] إِلَيْهَا حَاجَةً فَلَمْ يَنْتهِ حَتَّى يُقَدِمَهَا " ، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } إلى قوله : { بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ{[2194]} } .

وقال هلال بن إساف : ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربة الأرض التي يدفن فيها .

{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } يحتمل وجهين :

أحدهما : عليم بالغيب خبير بالنية .

الثاني : عليم بالأعمال خبير بالجزاء .

ويقال إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية يقال له الوارث ابن عمرو بن حارثة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد ، وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى تقول الساعة ؟ فنزلت هذه الآية{[2195]} ، والله أعلم .


[2194]:رواه أحمد في مسنده 3/ 429.
[2195]:أخرجه ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم عن مجاهد.