المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

207- فما أبعد الفرق بين هؤلاء المنافقين وبين المؤمنين الصادقين الذين يبيع أحدهم نفسه في سبيل مرضاة الله ، وإعلاء كلمة الحق ، ويكون هذا النوع من الناس مقابلا للنوع الأول ، ويكون تولية أمراً من أمور الناس من رأفة الله بعباده ، والله تعالى يرحمهم بجعل الولاية لهؤلاء ليدفع بهم أذى الأشرار .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }

هؤلاء هم الموفقون الذين باعوا أنفسهم وأرخصوها وبذلوها طلبا لمرضاة الله ورجاء لثوابه ، فهم بذلوا الثمن للمليء الوفي الرءوف بالعباد ، الذي من رأفته ورحمته أن وفقهم لذلك ، وقد وعد الوفاء بذلك ، فقال : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } إلى آخر الآية . وفي هذه الآية أخبر أنهم اشتروا أنفسهم وبذلوها ، وأخبر برأفته الموجبة لتحصيل ما طلبوا ، وبذل ما به رغبوا ، فلا تسأل بعد هذا عن ما يحصل لهم من الكريم ، وما ينالهم من الفوز والتكريم{[134]} .


[134]:- من أول الآية إلى هنا ساقط من ب، وقد قام النجار بتفسير الآية من عند نفسه انظر طبعة النجار (1/252-254) ولم يبين أن هذا ليس من كلام الشيخ -رحمه الله-.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

204

. . . ذلك نموذج من الناس . يقابله نموذج آخر على الطرف الآخر من القياس :

( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله . والله رؤوف بالعباد ) . .

ويشري هنا معناها يبيع . فهو يبيع نفسه كلها لله ؛ ويسلمها كلها لا يستبقي منها بقية ، ولا يرجو من وراء أدائها وبيعها غاية إلا مرضاة الله . ليس له فيها شيء ، وليس له من ورائها شيء . بيعة كاملة لا تردد فها ولا تلفت ولا تحصيل ثمن ، ولا استبقاء بقية لغير الله . . والتعبير يحتمل معنى آخر يؤدي إلى نفس الغاية . .

يحتمل أن يشتري نفسه بكل أعراض الحياة الدنيا ، ليعتقها ويقدمها خالصة لله ، لا يتعلق بها حق آخر إلا حق مولاه . فهو يضحي كل أعراض الحياة الدنيا ويخلص بنفسه مجردة لله . وقد ذكرت الروايات سببا لنزول هذه الآية يتفق مع هذا التأويل الأخير :

قال ابن كثير في التفسير : قال ابن عباس وأنس وسعيد بن المسيب وأبو عثمان النهدي وعكرمة وجماعة : نزلت في صهيب بن سنان الرومي . وذلك أنه لما أسلم بمكة ، وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر لماله ، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل ؛ فتخلص منهم ، وأعطاهم ماله ؛ فأنزل الله فيه هذه الآية ؛ فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة ، فقالوا له : ربح البيع . فقال : وأنتم . فلا أخسر الله تجارتكم . وما ذاك ؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية . . ويروى أن رسول الله [ ص ] قال له : " ربح البيع صهيب " . . قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن مردويه ، حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبي ، حدثنا عوف ، عن أبي عثمان النهدي ، عن صهيب ، قال : لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي [ ص ] قالت لي قريش : يا صهيب . قدمت إلينا ولا مال لك ؛ وتخرج أنت ومالك ؟ والله لا يكون ذلك أبدا . فقلت لهم : أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني ؟ قالوا : نعم ! فدفعت إليهم مالي ، فخلوا عني ، فخرجت حتى قدمت المدينة ، فبلغ ذلك النبي [ ص ] فقال " : ربح صهيب . . ربح صهيب " . . مرتين . .

وسواء كانت الآية نزلت في هذا الحادث ، أو أنها كانت تنطبق عليه ، فهي أبعد مدى من مجرد حادث ومن مجرد فرد . وهي ترسم صورة نفس ، وتحدد ملامح نموذج من الناس ؛ ترى نظائره في البشرية هنا وهناك

والصورة الأولى تنطبق على كل منافق مراء ذلق اللسان ؛ فظ القلب ، شرير الطبع ، شديد الخصومة ، مفسود الفطرة . . والصورة الثانية تنطبق على كل مؤمن خالص الإيمان ، متجرد لله ، مرخص لأعراض الحياة . . وهذا وذلك نموذجان معهودان في الناس ؛ ترسمهما الريشة المبدعة بهذا الإعجاز ؛ وتقيمهما أمام الأنظار يتأمل الناس فيهما معجزة القرآن ، ومعجزة خلق الإنسان بهذا التفاوت بين النفاق والإيمان . ويتعلم منهما الناس ألا ينخدعوا بمعسول القول ، وطلاوة الدهان ؛ وأن يبحثوا عن الحقيقة وراء الكلمة المزوقة ، والنبرة المتصنعة ، والنفاق والرياء والزواق ! كما يتعلمون منهما كيف تكون القيم في ميزان الإيمان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

{ ومن الناس من يشري نفسه } يبيعها أي يبذلها في الجهاد ، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يقتل { ابتغاء مرضاة الله } طلبا لرضاه . قيل إنها نزلت في صهيب بن سنان الرومي ، أخذه المشركون وعذبوه ليرتد فقال : إني شيخ كبير لا ينفعكم إن كنت معكم ولا يضركم إن كنت عليكم فخلوني وما أنا عليه وخذوا مالي فقبلوه منه وأتى المدينة . { والله رؤوف بالعباد } حيث أرشدهم إلى مثل هذا الشراء وكلفهم بالجهاد فعرضهم لثواب الغزاة والشهداء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ( 207 )

وقوله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه } الآية تتناول كل مجاهد في سبيل الله أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر ، والظاهر من هذا التقسيم( {[1937]} ) أن تكون الآيات قبل هذه على العموم في الكافر بدليل الوعيد بالنار ويأخذ العصاة الذين فيهم شيء من هذا الخلق بحظهم من وعيد الآية ، ومن قال إن الآيات المتقدمة هي في منافقين تكلموا في غزوة الرجيع( {[1938]} ) قال : هذه الآية في شهداء غزوة الرجيع ، ومن قال تلك في الأخنس قال : هذه في الأنصار والمهاجرين المبادرين إلى الإيمان .

وقال عكرمة وغيره : هذه في طائفة من المهاجرين ، وذكروا حديث صهيب أنه خرج من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعته قريش لترده ، فنثر كنانته ، وقال لهم : تعلمون والله إني لمن أرماكم رجلاً ، والله لأرمينَّكم ما بقي لي سهم ، ثم لأضربن بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، فقالوا له : لا نتركك تذهب عنا غنياً وقد جئتنا صعلوكاً ، ولكن دلنا على مالك ونتركك ، فدلهم على ماله وتركوه ، فهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال له : «ربح البيع أبا يحيى » ، فنزلت فيه هذه الآية( {[1939]} ) ، ومن قال قصد بالأول العموم قال في هذه كذلك بالعموم ، و { يشري } معناه يبيع ، ومنه { وشروه بثمن بخس }( {[1940]} ) [ يوسف : 20 ] ، ومنه قول يزيد بن مفرغ الحميري : [ مجزوء الكامل ]

وَشَريْتُ برداً لَيْتَنِي . . . مِنْ بَعْدِ برْدٍ كُنْتَ هَامَه( {[1941]} )

وقال الآخر : [ الكامل ]

يعطى بها ثمناً فَيَمْنَعُها . . . وَيَقُولُ صَاحِبُهُ أَلاَ تَشْرِي( {[1942]} )

ومن هذا تسمى الشراة( {[1943]} ) كأنهم الذين باعوا أنفسهم من الله تعالى ، وحكى قوم أنه يقال شرى بمعنى اشترى ، ويحتاج إلى هذا من تأول الآية في صهيب ، لأنه اشترى نفسه بماله ولم يبعها ، اللهم إلا أن يقال إن عزم صهيب على قتالهم بيع لنفسه من الله تعالى فتستقيم اللفظة على معنى باع .

وتأول هذه الآية عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم في مغيري المنكر ، ولذلك قال علي وابن عباس : اقتتل الرجلان ، أي قال المغير للمفسد : اتق الله ، فأبى المفسد وأخذته العزة ، فشرى المغير نفسه من الله تعالى وقاتله فاقتتلا .

وروي أن عمر بن الخطاب كان يجمع في يوم الجمعة شباباً من القرأة فيهم ابن عباس والحر بن قيس وغيرهما فيقرؤون بين يديه ومعه ، فسمع عمر ابن عباس رضي الله عنهم يقول : اقتتل الرجلان ، حين قرأ هذه الآية ، فسأله عما قال ، ففسر له هذا التفسير ، فقال له عمر : «لله تلادك( {[1944]} ) يا ابن عباس » .

وقال أبو هريرة وأبو أيوب حين حمل هشام بن عامر على الصف في القسطنطينية فقال قوم : ألقى بيده إلى التهلكة ، ليس كما قالوا ، بل هذا قول الله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه } الآية( {[1945]} ) .

و { ابتغاء } مفعول من أجله ، ووقف حمزة على { مرضاة } بالتاء والباقون بالهاء . قال أبو علي : «وجه وقف حمزة بالتاء إما أنه على لغة من يقول طلحت وعلقمت ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]

بل جوز تيهاء كظهر الحجفت( {[1946]} ) . . . وإما أنه لما كان المضاف إليه في ضمن اللفظة ولا بد أثبت التاء كما تثبت في الوصل ليعلم أن المضاف إليه مراد .

وقوله تعالى : { والله رؤوف بالعباد } ترجية تقتضي الحض على امتثال ما وقع به المدح في الآية كما في قوله تعالى : { فحسبه جهنم } تخويف يقتضي التحذير مما وقع به الذم في الآية .


[1937]:- قد تسعمل (الواو) في الكلام بمعنى التقسيم نحو: الكلمة اسم وفعل وحرف، والتقسيم هنا قوله تعالى قبل: [ومن الناس من يعجبك قوله] الآية وقوله تعالى بعد: [ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله] ولا يبعد أن يكون السبب خاصا والمراد عموم اللفظ.
[1938]:- غزوة الرجيع كانت بعد غزوة (أحد) في صفر سنة أربع، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية تتألف من عشرة أنفس وأمر عليها عاصم بن ثابت الأنصاري، والغرض منها معرفة أخبار قريش، فلما كانوا في الطريق لحقهم بنو لحيان من هذيل فقتلوا منهم سبعة أحدهم عاصم بن ثابت، وأسروا الباقين وهم خبيب بن عدي، وزيد بن الدثِنة بكسر المثلثة، وعبد الله بن طارق، فأما عبد الله فقتلوه في الحين لعدم استسلامه، وأما خبيب وزيد فباعوهما إلى قريش، وقتلت قريش خبيبا بعد أن صلى ركعتين وقال أبياته المشهورة: وَلَسْتُ أُبَالِي حِين أُقْتَلُ مُسْلِمــاً على أي جنب كانَ في الله مَصْرَعِي وذلك في ذاتِ الإله وإن يَشَــأ يُبَاركْ على أوْصال شِلْو مُمَــزَّع وخبيب الأنصاري هذا هو أول من سنّ الركعتين عند القتل بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وعاصم بن ثابت هذا هو الذي حمته الدبر أي جماعة النحل عندما أرسلت قريش من يقطع جسده فاجتمعت عليهم ذكور النحل ومنعتهم من القرب منه، رضي الله عنهم جميعا.
[1939]:- روى ذلك ابن جرير عن عكرمة، وابن مردويه عن أبي عثمان النهدي.
[1940]:- من الآية (20) من سورة (يوسف).
[1941]:- بُرْد: اسم غلام، وفيه أيضا قال الشاعر: وشرَيْتُ برداً ولولا ما تَكَنَّفَنِـي من الحوادث ما بِعتُه أبَـــداً
[1942]:- البيت للمسيب بن علس يصف الغائص وانتخابه الدّرة كما في شرح المقامات للشريسي، وقبل البيت: كجُمَـانَة البَحْريِّ جـاء بِهـا غوّاصُهَــا مِن لُجَّةِ البَحْــر نصف النهار الماءُ غَامِــرُهُ وشريكُـه بالغيبِ لا يَدــْري ومعنى: ألا تشري ؟ ألا تبيع ؟
[1943]:- الخوارج أو جماعة منهم سموا أنفسهم الشراة بمعنى أنهم باعوا أنفسهم من الله تعالى.
[1944]:- في لسان العرب من حديث عبد الله بن مسعود – آل حم من تلادي – أي من أول ما تعلمته بمكة. شبه ذلك بتلاد المال.
[1945]:- يعني أنها تتضمنه، وكثيرا ما يقولن: نزلت الآية في كذا، والمراد أنها تتضمنه وإن لم تكن قد نزلت فيه بالخصوص.
[1946]:- الحجفت: بتقديم الحاء على الجيم، وهي التُّرس إذا كان من الجلد، ومن العرب من إذا سكت على الهاء جعلها تاء. وقائل البيت سؤر الذئب – قاله يذكر محبوبته – وهو ضمن أبيات نذكرها لك: ما بالُ عَيْنٍ عَنْ كَرَاهَا قَدْ جَفَـتْ وشَفَّهَا مِنْ حُزْنِهَا ما كُلِّفَـتْ  كــأنَّ عُوَّاراً بِها أو طَرَّفَــتْ مُسْبِلَـة تَسْتَنُّ لمَّا عـرفَـتْ  دارٌ لِلَيْلَـى بعْد حـوْلٍ قدْ عَفَـتْ كأنَّها مهارقٌ قد زُخْـرفَـتْ  قـد تَبَّلَتْ إذا المهَا تَخَـوَّفــت بلْ ظهْرُ تَيْهاءَ كظهرِ الحْجفَتْ  قطعتُهـا إذا المهَــا تخوَّفَـتْ مَثَـارها إلى ذارها أهْدَفَـتْ