{ بَدِيعُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }
يعني جل ثناؤه بقوله : بَدِيعُ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ مبدعها . وإنما هو «مُفْعل » صرّف إلى «فَعِيل » ، كما صرّف المؤلم إلى أليم ، والمسمع إلى سميع . ومعنى المبدع : المنشىء والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد ولذلك سمي المبتدع في الدين مبتدعا ، لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره . وكذلك كل محدث فعلاً أو قولاً لم يتقدّمه فيه متقدّم ، فإن العرب تسميه مبتدعا . ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة في مدح هوذة بن عليّ الحنفي :
يَرْعَى إلى قَوْلِ سادَاتِ الرّجالِ إذَا *** أبْدَوْا لَهُ الحَزْمَ أوْ ما شَاءَهُ ابْتَدَعا
أي يحدث ما شاء . ومنه قول رؤبة بن العجّاج :
فأيّها الغاشِي القِذَافَ ألا تْيَعا *** إنْ كُنْتَ لِلّهِ التّقِيّ أَلا طْوَعا
***فَلَيْسَ وَجْهُ الحَقّ أنْ تَبَدّعا***
يعني : أن تحدث في الدين ما لم يكن فيه .
فمعنى الكلام : سبحان الله أنى يكون له ولد وهو مالك ما في السموات والأرض ، تشهد له جميعا بدلالتها عليه بالوحدانية ، وتقرّ له بالطاعة وهو بارئها وخالقها ، وموجدها من غير أصل ، ولا مثال احتذاها عليه وهذا إعلام من الله جل ثناؤه عباده ، أن مما يشهد له بذلك المسيح الذي أضافوا إلى الله جل ثناؤه بنوّته ، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السموات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال ، هو الذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { بَدِيعُ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ } يقول : ابتدع خلقها ، ولم يشركه في خلقها أحد .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { بَدِيعُ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ } يقول : ابتدعها فخلقها ، ولم يخلق مثلها شيئا فتتمثل به .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا قَضَى أمْرا فَإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } .
يعني جل ثناؤه بقوله : وَإِذَا قَضَى أمْرا وإذا أحكم أمرا وحَتَمه . وأَصْلُ كل قضاء أمرٍ الإحكامُ والفراغ منه ومن ذلك قيل للحاكم بين الناس : القاضي بينهم ، لفصله القضاء بين الخصوم ، وقَطْعه الحكم بينهم وفراغه منه . ومنه قيل للميت : قد قَضَى ، يراد به قد فرغ من الدنيا ، وفصل منها . ومنه قيل : ما ينقضي عجبي من فلان ، يراد : ما ينقطع . ومنه قيل : تَقَضّى النهارُ : إذا انصرم . ومنه قول الله عز وجل : { وَقَضَى رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إيَاهُ } أي فصل الحكم فيه بين عباده بأمره إياهم بذلك ، وكذلك قوله :
{ وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الكِتابِ } أي أعلمناهم بذلك وأخبرناهم به ، ففرغنا إليهم منه . ومنه قول أبي ذؤيب :
وَعَلَيْهِما مَسْرُودَتانِ قَضَاهُما دَاوُدُ أوْ صَنَعَ السّوَابِغِ تُبّعُ
ويُروى : «وتَعاوَرَا مَسْرُودَتينِ قَضَاهُما » .
ويعني بقوله : { قضاهما } : أحكمهما . ومنه قول الاَخر في مدح عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
قَضَيْتُ أُمُورا ثُمّ غَادَرْتَ بَعْدَها بِوَائِقَ في أكْمَامِها لَمْ تَفَتُقِ
وأما قوله : ف{ َإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } فإنه يعني بذلك : وإذا أحكم أمرا فحتمه ، فإنما يقول لذلك الأمر «كُنْ » ، فيكون ذلك الأمر على ما أمره الله أن يكون وأراده .
فإن قال لنا قائل : وما معنى قوله : { وَإِذَا قَضَى أمْرا فَإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ؟ وفي أيّ حال يقول للأمر الذي يقضيه كُنْ ؟ أفي حال عدمه ، وتلك حال لا يجوز فيها أمره ، إذ كان محالاً أن يأمر إلا المأمور ، فإذا لم يكن المأمور استحال الأمر وكما محال الأمر من غير آمر ، فكذلك محال الأمر من آمر إلا لمأمور . أم يقول له ذلك في حال وجوده ، وتلك حال لا يجوز أمره فيها بالحدوث ، لأنه حادث موجود ، ولا يقال للموجود : كن موجودا إلا بغير معنى الأمر بحدوث عينه ؟ قيل : قد تنازع المتأوّلون في معنى ذلك ونحن مخبرون بما قالوا فيه ، والعلل التي اعتلّ بها كل فريق منهم لقوله في ذلك :
قال بعضهم : ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن أمره المحتوم على وجه القضاء لمن قضى عليه قضاء من خلقه الموجودين أنه إذا أمره بأمر نفذ فيه قضاؤه ، ومضى فيه أمره ، نظير أَمْرِهِ من أَمَرَ من بني إسرائيل بأن يكونوا قردة خاسئين ، وهم موجودون في حال أمره إياهم بذلك ، وحتم قضائه عليهم بما قضى فيهم ، وكالذي خسف به وبداره الأرض ، وما أشبه ذلك من أمره وقضائه فيمن كان موجودا من خلقه في حال أمره المحتوم عليه . فوجه قائلو هذا القول قوله : وَإِذَا قَضَى أمْرا فَانّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إلى الخصوص دون العموم .
وقال آخرون : بل الآية عام ظاهرها ، فليس لأحد أن يحيلها إلى باطن بغير حجة يجب التسليم لها ، وقال : إن الله عالم بكل ما هو كائن قبل كونه . فلما كان ذلك كذلك كانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة لعلمه بها قبل كونها ، نظائر التي هي موجودة ، فجاز أن يقول لها : «كوني » ، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود ، لتصوّر جميعها له ، ولعلمه بها في حال العدم .
وقال آخرون : بل الآية وإن كان ظاهرها ظاهر عموم ، فتأويلها الخصوص لأن الأمر غير جائز إلا لمأمور على ما وصفت قبل .
قالوا : وإذا كان ذلك كذلك ، فالآية تأويلها : وإذا قضى أمرا من إحياء ميت ، أو إماتة حيّ ، ونحو ذلك ، فإنما يقول لحيّ كُنْ ميتا ، أو لميت كُنْ حيا ، وما أشبه ذلك من الأمر .
وقال آخرون : بل ذلك من الله عزّ وجل خبر عن جميع ما ينشئه ويكوّنه أنه إذا قضاه وخلقه وأنشأه كان ووُجِدَ . ولا قول هنالك عند قائلي هذه المقالة إلا وجود المخلوق ، وحدوث المقضي وقالوا : إنما قول الله عزّ وجل : { وَإِذَا قَضَى أَمْرا فَإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } نظير قول القائل : قال فلان برأسه ، وقال بيده إذا حرّك رأسه أو أومأ بيده ولم يقل شيئا . وكما قال أبو النجم :
وقَالَتِ الأنْسَاعُ للبَطْنِ الحَقِ قِدْما فآضَتْ كالفَنِيقِ المُحْنِقِ
ولا قول هنالك ، وإنما عنى أن الظهر قد لحق بالبطن . وكما قال عمرو بن حُممة الدوسي :
فأصْبَحْتُ مِثْلَ النّسْرِ طارَتْ فِرَاخُهُ إذَا رَامَ تَطْيارا يُقال لَهُ قَعِ
ولا قول هناك ، وإنما معناه : إذا رام طيرانا ووقع ، وكما قال الاَخر :
امْتَلأ الحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي سَيْلاً رُوَيْدا قَدْ مَلأتُ بَطْنِي
وأولى الأقوال بالصواب في قوله : { وَإِذَا قَضَى أمْرا فإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } أن يقال : هو عامّ في كل ما قضاه الله وبرأه ، لأن ظاهر ذلك ظاهر عموم ، وغير جائز إحالة الظاهر إلى الباطن من التأويل بغير برهان لما قد بينا في كتابنا : «كتاب البيان عن أصول الأحكام » . وإذْ كان ذلك كذلك ، فأمر الله جل وعز لشيء إذا أراد تكوينه موجودا بقوله : كُنْ في حال إرادته إياه مكوّنا ، لا يتقدّم وجودَ الذي أراد إيجاده وتكوينه إرادته إياه ، ولا أمره بالكون والوجود ، ولا يتأخر عنه . فغير جائز أن يكون الشيء مأمورا بالوجود مرادا كذلك إلا وهو موجود ، ولا أن يكون موجودا إلا وهو مأمور بالوجود مراد كذلك . ونظير قوله : { وَإِذَا قَضَى أمْرا فَإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ تَقُومَ السمّاءُ والأرْض بأمْرِهِ ثُمّ إذَا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ } بأن خروج القوم من قبورهم لا يتقدّم دعاء الله ، ولا يتأخر عنه .
ويسأل من زعم أن قوله : { وَإِذَا قَضَى أمْرا فَإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } خاصّ في التأويل اعتلالاً بأن أمر غير الموجود غير جائز ، عن دعوة أهل القبور قبل خروجهم من قبورهم ، أم بعده ؟ أم هي في خاصّ من الخلق ؟ فلن يقول في ذلك قولاً إلا أُلزم في الاَخر مثله .
ويسأل الذين زعموا أن معنى قوله جل ثناؤه : { فَإنّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } نظير قول القائل : قال فلان برأسه أو بيده ، إذا حرّكه وأومأ ، ونظير قول الشاعر :
تَقُولُ إذَا دَرأتُ لَهَا وَضِينِي أهَذَا دِينُهُ أبَدا وَدِينِي
وما أشبه ذلك ؟ فإنهم لا صواب اللغة أصابوا ولا كتاب الله ، وما دلت على صحته الأدلة اتبعوا . فيقال لقائلي ذلك : إن الله تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنه إذا قضى أمرا قال له : «كُنْ » ، أفتنكرون أن يكون قائلاً ذلك ؟ فإن أنكروه كذّبوا بالقرآن ، وخرجوا من الملة ، وإن قالوا : بل نقرّ به ، ولكنا نزعم أن ذلك نظير قول القائل : قال الحائط فمال ولا قول هنالك ، وإنما ذلك خبر عن ميل الحائط . قيل لهم : أفتجيزون للمخبر عن الحائط بالميل أن يقول : إنما قول الحائط إذا أراد أن يميل أن يقول هكذا فيميل ؟
فإن أجازوا ذلك خرجوا من معروف كلام العرب ، وخالفوا منطقها وما يعرف في لسانها . وإن قالوا : ذلك غير جائز ، قيل لهم : إن الله تعالى ذكره أخبرهم عن نفسه أن قوله للشيء إذا أراده أن يقول له كُنْ فيكون ، فأعلم عباده قوله الذي يكون به الشيء وَوَصَفَه ووَكّده . وذلك عندكم غير جائز في العبارة عما لا كلام له ولا بيان في مثل قول القائل : قال الحائط فمال . فكيف لم يعلموا بذلك فَرْقَ ما بين معنى قول الله : { وَإِذَا قَضَى أمْرا فإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ } وقول القائل : قال الحائط فمال ؟ وللبيان عن فساد هذه المقالة موضع غير هذا نأتي فيه على القول بما فيه الكفاية إن شاء الله .
وإذا كان الأمر في قوله جل ثناؤه : { وَإِذَا قَضَى أمْرا فَإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } هو ما وصفنا من أن حال أمره الشيء بالوجود حال وجود المأمور بالوجود ، فتبين بذلك أن الذي هو أولى بقوله : فَيَكُونُ رفع على العطف على قوله : يقول لأن القول والكون حالهما واحد . وهو نظير قول القائل : تاب فلان فاهتدى ، واهتدى فلان فتاب لأنه لا يكون تائبا إلا وهو مهتد ، ولا مهتديا إلا وهو تائب . فكذلك لا يمكن أن يكون الله آمرا شيئا بالوجود إلا وهو موجود ، ولا موجودا إلا وهو آمره بالوجود ولذلك استجاز من استجاز نَصْبَ «فَيَكُونَ » مَنْ قَرأ : { إِنّمَا قَوْلُنَا لِشَيْء إِذَا أرَدْنَاهُ أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ } بالمعنى الذي وصفنا على معنى : أن نقول فيكون .
وأما رَفْعُ من رَفَعَ ذلك ، فإنه رأى أن الخبر قد تمّ عند قوله : { إِذَا أَرَدْنَاهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ }إذ كان معلوما أن الله إذا حتم قضاءه على شيء كان المحتوم عليه موجودا ، ثم ابتدأ بقوله : «فيكون ، كما قال جل ثناؤه : { لِنُبَيّنَ لَكُمْ وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ } ، وكما قال ابن أحمر :
يُعالِجُ عاقِرا أعْيَتْ عَلَيْهِ لِيُلْقِحَها فَيَنْتِجُها حُوَارَا
يريد : فإذا هو ينتجها حُوَارا .
فمعنى الآية إذا : وقالوا اتخذ الله ولدا ، سبحانه أن يكون له ولد بل هو مالك السموات والأرض وما فيهما ، كل ذلك مقرّ له بالعبودية بدلالته على وحدانيته . وأنّى يكون له ولد ، وهو الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل ، كالذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته وسلطانه ، الذي لا يتعذّر عليه به شيء أراده ، بل إنما يقول له إذا قضاه فأراد تكوينه : «كُنْ » ، فيكون موجودا كما أراده وشاءه . فكذلك كان ابتداعه المسيح وإنشاؤه إذْ أراد خلقه من غير والد .
{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }( 117 )
و { بديع } مصروف( {[1172]} ) من مبدع كبصير من مبصر ، ومثله قول عمرو بن معديكرب : [ الوافر ] :
أَمِنْ ريحانة الداعي السميعِ( {[1173]} ) *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يريد المسمع ، والمبدع المخترع المنشيء ، ومنه أصحاب البدع( {[1174]} ) ، ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة رمضان : «نعمت البدعة هذه » .
وخص { السماوات والأرض } بالذكر لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جل وعلا ، و { قضى } ، معناه قدر ، وقد يجيء بمعنى أمضى ، ويتجه في هذه الآية المعنيان ، فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل وأمضى فيه ، وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد .
والأمر واحد الأمور ، وليس هنا بمصدر أمر يأمر ، ويكون رفع على الاستئناف ، قال سيبويه : «معناه فهو يكون » ، قال غيره : «يكون » عطف على «يقول » ، واختاره الطبري وقرره( {[1175]} ) ، وهو خطأ من جهة المعنى ، لأنه يقتضي أن القول مع التكوين والوجود( {[1176]} ) ، وتكلم أبو علي الفارسي في هذه المسألة بما هو فاسد من جملة الاعتزال لا من جهة العربية .
وقرأ ابن عامر «فيكونَ » بالنصب ، وضعفه أبو علي ، ووجهه مع ضعفه على أن يشفع له شبه اللفظ( {[1177]} ) ، وقال أحمد بن موسى في قراءة ابن عامر : «هذا لحن »( {[1178]} ) .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : لأن الفاء لا تعمل في جواب الأمر إلا إذا كانا فعلين يطرد فيها معنى الشرط ، تقول أكرم زيداً فيكرمك ، والمعنى إن تكرم زيداً يكرمك ، وفي هذه الآية لا يتجه هذا ، لأنه يجيء تقديره : إن تكن يكن ، ولا معنى لهذا( {[1179]} ) ، والذي يطرد فيه معنى الشرط هو أن يختلف الفاعلان أو الفعلان( {[1180]} ) فالأول أكرم زيداً فيكرمك والثاني أكرم زيداً فتسود .
وتلخيص المعتقد في هذه الآية ، أن الله عز وجل لم يزل آمراً للمعدومات بشرط وجودها ، قادراً مع تأخر المقدورات ، عالماً مع تأخر وقوع المعلومات ، فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال ، فهو بحسب المأمورات ، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن ، وكل ما يستند إلى الله تعالى من قدرة وعلم وأمر فهو قديم لم يزل ، ومن جعل من المفسرين { قضى } بمعنى أمضى عند الخلق والإيجاد ، فكأن إظهار المخترعات في أوقاتها المؤجلة قول لها { كن }( {[1181]} ) ، إذ التأمل يقتضي ذلك ، على نحو قول الشاعر [ أبو النجم العجلي ] : [ الرجز ]
وقالتِ الأقرابُ للبطن الحق( {[1182]} ) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله يجري مع قول المعتزلة ، والمعنى الذي تقتضيه عبارة { كن } هو قديم قائم بالذات( {[1183]} ) ، والوضوح التام في هذه المسألة يحتاج أكثر من هذا البسط .