مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (117)

{ بَدِيعُ السماوات والأرض } أي مخترعهما ومبدعهما لا على مثال سبق . وكل من فعل ما لم يسبق إليه يقال له أبدعت ولهذا قيل لمن خالف السنة والجماعة مبتدع لأنه يأتي في دين الإسلام ما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم . { وَإِذَا قضى أَمْرًا } أي حكم أو قدر { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } هو من «كان » التامة أي أحدث فيحدث وهذا مجاز عن سرعة التكوين وتمثيل ولا قول ثُمَّ . وإنما المعنى أن ما قضاه من الأمور وأراد كونه فإنما يتكون ، ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف كما أن المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل لا يتوقف ولا يمتنع ولا يكون منه إباء .

وأكد بهذا استبعاد الولادة لأن من كان بهذه الصفة من القدرة كانت صفاته مباينة لصفات الأجسام فأنى يتصور التوالد ثمّ . والوجه الرفع في

«فيكون » وهو قراءة العامة على الاستئناف أي فهو يكون ، أو على العطف على «يقول » . ونصبه ابن عامر على لفظ «كن » لأنه أمر وجواب الأمر بالفاء نصب . وقلنا : إن «كن » ليس بأمر حقيقة إذ لا فرق بين أن يقال وإذ قضى أمرا فإنما يكونه فيكون وبين أن يقال فإنما يقول له كن فيكون ، وإذا كان كذلك فلا معنى للنصب . وهذا لأنه لو كان أمراً فإما أن يخاطب به الموجود والموجود لا يخاطب ب «كن » أو المعدوم والمعدوم لا يخاطب .