فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (117)

وبديع : فعيل للمبالغة ، وهو خبر مبتدأ ، محذوف ، أي : هو بديع سمواته ، وأرضه ، أبدع الشيء : أنشأه لا عن مثال ، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له مبدع . وقوله : { وَإِذَا قضى أَمْرًا } أي : أحكمه ، وأتقنه . قال الأزهري : قضى في اللغة على وجوه مرجعها الى انقطاع الشيء ، وتمامه ، قيل : هو مشترك بين معان ، يقال قضى بمعنى : خلق ، ومنه : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سموات } [ فصلت : 12 ] وبمعنى أعلم ، ومنه : { وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إسراءيل فِى الكتاب } [ الإسراء : 4 ] وبمعنى أمر ، ومنه : { وقضى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إِلاَّ إيّاه } [ الإسراء : 23 ] وبمعنى ألزم ، ومنه : قضى عليه القاضي ، وبمعنى أوفاه ، ومنه : { فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل } [ القصص : 29 ] وبمعنى أراد ومنه : { فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } [ غافر : 68 ] ، والأمر واحد الأمور .

وقد ورد في القرآن على أربعة عشر معنى : الأوّل الدين ، ومنه : { حتى جَاء الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله } [ التوبة : 48 ] الثاني : بمعنى القول ، ومنه : { فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا } [ المؤمنون : 27 ] الثالث : العذاب ، ومنه قوله : { لَمَّا قُضِىَ الأمر } [ إبراهيم : 22 ] الرابع : عيسى ، ومنه : { فَإِذَا قضى أَمْراً } [ مريم : 35 ] أي : أوجد عيسى عليه السلام . الخامس القتل ، ومنه { فَإِذَا جَاء أَمْرُ الله } [ غافر : 78 ] السادس : فتح مكة ، ومنه : { فَتَرَبَّصُوا حتى يَاتِىَ الله بِأَمْرِهِ } [ التوبة : 24 ] . السابع : قتل بني قريظة ، وإجلاء النضير ، ومنه : { فاعفوا واصفحوا حتى يَاتِىَ الله بِأَمْرِهِ } [ البقرة : 109 ] ، الثامن : القيامة ، ومنه : { أتى أَمْرُ الله } [ النحل : 1 ] التاسع : القضاء ، ومنه : { يُدَبّرُ الأمر } [ يونس : 3 ] ، العاشر الوحي ، ومنه : { يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ } [ الطلاق : 12 ] الحادي عشر : أمر الخلائق ، ومنه : { أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور } [ الشورى : 53 ] الثاني عشر : النصر ، ومنه : { هَل لنَا مِنَ الأمر مِن شَىْء } [ البقرة : 154 ] . الثالث عشر : الذنب ، ومنه : { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } [ الطلاق : 9 ] الرابع عشر : الشأن ، ومنه : { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } [ هود : 97 ] هكذا أورد هذه المعاني بأصول من هذا بعض المفسرين ، وليس تحت ذلك كثير فائدة ، وإطلاقه على الأمور المختلفة لصدق اسم الأمر عليها . وقوله : { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } الظاهر في هذا المعنى الحقيقي ، وأنه يقول سبحانه هذا اللفظ ، وليس في ذلك مانع ، ولا جاء ما يوجب تأويله ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] وقال تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] وقال : { وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة كَلَمْحٍ بالبصر } [ القمر : 50 ] ومنه قول الشاعر :

إذا ما أراد الله أمراً فإنما *** يقول له كن قوله فيكون

وقد قيل : إن ذلك مجاز ، وأنه لا قول ، وإنما هو : قضاء يقضيه ، فعبر عنه بالقول ، ومنه قول الشاعر ، وهو عمر بن حممة الدوسي :

فَأصْبَحْتُ مِثْل النَّسْرِ طَارَ فراخُه *** إذَا رَامَ تَطْيَاراً يُقَالُ لَهُ قَعِ

وقال آخر :

قالت جناحاه لساقيه الحقا *** ونجيا لحكمكما أن يمزقا

/خ118