الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (117)

و{ بَدِيعُ } : مصروفٌ من مُبْدعٍ ، والمُبْدِعُ : المخترعُ المنشئُ ، وخص السَّموات والأرضَ بالذكْر ، لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جلَّ وعلاَ .

و{ قَضَى } : معناه : قدَّر ، وقد يجيء بمعنى : أمضى ، ويتجه في هذه الآية المعنَيَانِ ، والأمر : واحد الأمور ، وليس هو هنا بمصدر أَمَرَ يَأْمُرُ ، وتلخيص المعتَقَدِ في هذه الآية أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ لم ينزل أمراً للمعدومات بشرط وجودِهَا ، قادراً مع تأخُّر المقدورات ، عالماً مع تأخُّر وقوع المعلوماتِ ، فكلُّ ما في الآية ممَّا يقتضي الاستقبال ، فهو بحسب المأموراتِ ، إِذ المحدَثَاتُ تجيء بعد أنْ لم تكنْ ، وكل ما يستند إِلى اللَّه تعالى من قدرةٍ وعلمٍ وأمر ، فهو قديمٌ لم يزَلْ ، والمعنى الَّذي تقتضيه عبارةُ { كُن } هو قديمٌ قائمٌ بالذاتِ ، والوضوح التامُّ في هذه المسألة يحتاج أكثر من هذا البَسْط .

( ت ) وقد قدَّمنا ما يزيدُ هذا المعنى وضُوحاً عند قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ } [ البقرة : 34 ] فانظره .