التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (117)

{ بديع السماوات } أي : مخترعها وخالقها ابتداء .

{ وإذا قضى أمرا } أي : قدره وأمضاه ، قال ابن عطية : يتحد في الآية المعنيان ، فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل وأمضى فيه ، وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد ، قلت : لا يكون قضى هنا بمعنى قدر ، لأن القدر قديم ، وإذا تقتضي الحدوث والاستقبال وذلك يناقض القدم ، وإنما قضى هنا بمعنى أمضى أو فعل أو وجد كقوله :{ فقضاهن سبع سماوات }[ فصلت :12 ] ، وقد قيل : إنه بمعنى ختم الأمر ، وبمعنى حكم ، والأمر هنا بمعنى الشيء ، وهو واحد الأمور ، وليس بمصدر أمر يأمر .

{ فإنما يقول له كن فيكون } قال الأصوليون : هذا عبارة عن تعود قدرة الله تعالى وليس بقول حقيقي ، لأنه إن كان قول :{ كن } خطابا للشيء في حال عدمه لم يصح ، لأن لمعدوم لم يخاطب وإن كان خطابا في حال وجوده لأنه قد كان ، وتحصيل الحاصل غير مطلوب وحمله المفسرون على حقيقته ، وأجابوا عن ذلك بأربعة أجوبة :

أحدها : أن الشيء الذي يقول له :{ كن فيكون } هو موجود في علم الله وإنما يقول له :{ كن } ليخرجه إلى العيان لنا .

والثاني : أن قوله :{ كن } لا يتقدم على وجود الشيء ولا يتأخر عنه قاله الطبري .

والثالث : أن ذلك خطابا لمن كان موجودا على حاله فيأمر بأن يكون على حالة أخرى : كإحياء الموتى ، ومسخ الكفار ، وهذا ضعيف لأنه تخصيص من غير مخصص .

والرابع : أن معنى { يقول له } : يقول من أجله ، فلا يلزم خطابه : والأول أحسن هذه الأجوبة .

وقال ابن عطية : تلخيص المعتقد في هذه الآية : أن الله عز وجل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها ، فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال ، فهو بحسب المأمورات إذ المحدثات تجيء بعد أن لم نكن ، { فيكون } رفع على الاستثناء .

قال سيبويه : معناه فهو يكون ، قال غيره : { يكون } عطف على يقول ، واختاره الطبري وقال ابن عطية : وهو فاسد من جهة المعنى ، ويقتضي أن القول مع التكوين والوجود ، وفي هذا نظر .