المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

15- وإِنْ حملك والداك - بجهد - على أن تشرك بالله ما لا تعلم أنه يستحق فلا تطعهما ، وصاحبهما في الدنيا بالبر والصلة والإحسان ، واتبع طريق من رجع إلىَّ بالتوحيد والإخلاص ، ثم إلىَّ مرجعكم جميعاً ، فأخبركم بما كنتم تعملون من خير وشر لأجازيكم عليه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ } أي : اجتهد والداك { عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا } ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما ، لأن حق اللّه ، مقدم على حق كل أحد ، و " لا طاعة لمخلوق ، في معصية الخالق "

ولم يقل : " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما " بل قال : { فَلَا تُطِعْهُمَا } أي : بالشرك ، وأما برهما ، فاستمر عليه ، ولهذا قال : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } أي : صحبة إحسان إليهما بالمعروف ، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي ، فلا تتبعهما .

{ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } وهم المؤمنون باللّه ، وملائكته وكتبه ، ورسله ، المستسلمون لربهم ، المنيبون إليه .

واتباع سبيلهم ، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه ، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى اللّه ، ثم يتبعها سعي البدن ، فيما يرضي اللّه ، ويقرب منه .

{ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } الطائع والعاصي ، والمنيب ، وغيره { فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فلا يخفى على اللّه من أعمالهم خافية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

ثم بين - سبحانه - حدود الطاعة للوالدين فقال : { وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } .

والجملة الكريمة معطوفة على قوله { وَوَصَّيْنَا } . بإضمار القول . أى : ووصينا الإِنسان بوالديه . وقلنا له : { وَإِن جَاهَدَاكَ } أى : وإن حملاك { على أَن تُشْرِكَ بِي } فى العبادة أو الطاعة ، { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } فى ذلك ، فإنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .

وجملة { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } لبيان الواقع ، فلا مفهوم لها ، إذ ليس هناك من إله يعلم سوى الله - عز وجل - .

ثم أمر - سبحانه - مبصاحبتهما بالمعروف حتى مع كفرهما فقال : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً } .

أى : إن حملاك على الشرك . فلا تطعمهما ، ومع ذلك فصاحبهما فى الأمور الدنيوية التى لا تتعلق بالدين مصاحبة كريمة حسنة ، يرتضيهما الشرع ، وتقضيها مكارم الأخلاق .

وقوله { مَعْرُوفاً } صفة لمصدر محذوف . أى : صحابا معروفا . أو منصوب بنزع الخافض . أى : بالمعروف .

ثم أرشد - سبحانه - إلى وجوب اتباع أهل الحق فقال : { واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } . أى : واتبع - أيها العاقل طريق الصالحين من عبادى ، الذين رجعوا إلي بالتوبة والإِنابة والطاعة والإِخلاص .

{ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } جميعا يوم القيامة - أيها الناس - { فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فى الدنيا ، وأجازى كل إنسان على حسب عمله : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } قال القرطبى ما ملخصه : وهاتان الآيتان نزلتا فى شأن سعد بن أبى وقاص لما أسلم ، وأن أمه حلفت أن لا تأكل طعاما حتى تموت . . وفيها دليل على صلة الأبوين الكافرين ، بما أمكن من المال إن كانا فقيرين . . . " وقد قالت أسماء بنت أبى بكر الصديق ، للنبى صلى الله عليه وسلم وقد قدمت عليها خالتها وقيل : أمها من الراضعة : يا رسول الله ، إن أمى قدمت على وهى راغبة أفاصلها ؟ قال : " نعم " وراغبة قيل معناه : عن الإِسلام ، أو راغبة فى الصلة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

وتقدم الكلام على نظير قوله { وإن جاهداك لتشرك بي إلى فلا تطعهما } في سورة العنكبوت ( 8 ) ، سوى أنه قال هنا { على أن تُشرِك بي } وقال في سورة العنكبوت { لِتُشْرِك بِي } فأما حرف { على } فهو أدلّ على تمكن المجاهدة ، أي مجاهدة قوية للإشراك ، والمجاهدة : شدة السعي والإلحاح . والمعنى : إن ألحَّا وبالغا في دعوتك إلى الإشراك بي فلا تطعهما . وهذا تأكيد للنهي عن الإصغاء إليهما إذا دعَوَا إلى الإشراك . وأما آية العنكبوت فجيء فيها بلام العلة لظهور أن سعداً كان غنياً عن تأكيد النهي عن طاعة أمه لقوة إيمانه .

وقال القرطبي : إن امرأة لقمان وابنه كانا مُشركَيْن فلم يزل لقمان يعظهما حتى آمنا ، وبه يزيد ذكر مجاهدة الوالدين على الشرك اتضاحاً .

والمصاحبة : المعاشرة . ومنه حديث معاوية بن حيدة « أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أحقُّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمَّك » الخ .

والمعروف : الشيء المتعارف المألوف الذي لا ينكر فهو الشيء الحسن ، أي صاحبْ والديْك صحبةً حسنة ، وانتصب { معروفاً } على أنه وصف لمصدر محذوف مفعول مطلق ل { صاحِبْهُما ، } أي صِحاباً معروفاً لأمثالهما . وفهم منه اجتناب ما ينكر في مصاحبتهما ، فشمل ذلك معاملة الابن أبويه بالمنكر ، وشمل ذلك أن يدعو الوَالدُ إلى ما ينكره الله ولا يرضى به ولذلك لا يُطاعَان إذا أمرَا بمعصية . وفهم من ذكر { وصاحبْهما في الدنيا معروفاً } أثر قوله { وإن جاهداك على أن تشرك بي } الخ . . . أن الأمر بمعاشرتهما بالمعروف شامل لحالة كون الأبوين مشركين فإن على الابن معاشرتهما بالمعروف كالإحسان إليهما وصلتهما . وفي الحديث : أن أسماء بنت أبي بكر قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي جاءت راغبة أفأصلها ؟ فقال : نعم ، صلي أمَّككِ ، وكانت مشركة وهي قتيلة بنت عبد العزى . وشمل المعروف ما هو معروف لهما أن يفعلاه في أنفسهما ، وإن كان منكراً للمسلم فلذلك قال فقهاؤنا : إذا أنفق الولد على أبويه الكافرين الفقيرين وكان عادتهما شرب الخمر اشترى لهما الخمر لأن شرب الخمر ليس بمنكر للكافر ، فإن كان الفعل منكراً في الدينين فلا يحلّ للمسلم أن يشايع أحد أبويه عليه . واتباعُ سبيل من أناب هو الاقتداء بسيرة المنيبين لله ، أي الراجعين إليه ، وقد تقدم ذكر الإنابة في سورة الروم ( 33 ) عند قوله { منيبين إليه } وفي سورة هود ( 88 ) . فالمراد بمن أناب : المقلعون عن الشرك وعن المنهيات التي منها عقوق الوالدين وهم الذين يدعون إلى التوحيد ومن اتبعوهم في ذلك .

وجملة { ثم إلي مرجعكم } معطوفة على الجمل السابقة و { ثم } للتراخي الرتبي المفيد للاهتمام بما بعدها ، أي وعلاوة على ذلك كله إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون . وضمير الجمع للإنسان والوالدين ، أي مرجع الجميع . وتقديم المجرور للاهتمام بهذا الرجوع أو هو للتخصيص ، أي لا ينفعكم شيء مما تأملونه من الأصنام . وفرع على هذا { فأنبئكم } الخ . . . والإنباء كناية عن إظهار الجزاء على الأعمال لأن الملازمة بين إظهار الشيء وبين العلم به ظاهرة . وجملة { ثم إليّ مرجعكم } وَعد ووعيد . وفي هذه الضمائر تغليب الخطاب على الغيبة لأن الخطاب أهم لأنه أعرف .