الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

قوله تعالى ذكره : { وإن جاهداك على أن تشرك بي } 14 ، إلى قوله : { وإلى الله عاقبة الأمور } 21 .

أي : وإن جاهداك أيها الإنسان والداك على أن تشرك بي في العبادة ما لا تعلم أنه لي شريك ، فلا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك .

{ وصاحبهما في الدنيا معروفا } أي : بالطاعة لهما فيما لا إثم عليك فيه .

{ واتبع سبيل من أناب إلي } أي : واسلك طريق من تاب ورجع عن شركه إلى الإسلام .

قال قتادة : " من أناب إلي " أقبل إلي {[54934]} .

قال الليث {[54935]} : نزلت هذه الآية في سعد ابن أبي وقاص ، كان برا بأمه ، فلما أسلم كلمها بعض قومها أن تكلمه أن يرجع إلى دينه ، فقالت : أنا أكفيكموه ، فكلمته في ذلك فقال : أما في هذا فلا أطيعك ولكن أطيعك فيما سوى ذلك {[54936]} .

قال الليث : فصارت له ولغيره وأن لا يطاع أحد في شرك ولا في معصية لله .

وروي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه فهو الذي أناب إلى الله ، وأمر الله أن يتبع سبيله ، وذلك أن أبا بكر حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف {[54937]} ، وسعد ابن أبي وقاص {[54938]} ، وسعيد ابن زيد {[54939]} ، وأتاه قبل ذلك عثمان {[54940]} وطلحة {[54941]} والزبير {[54942]} رضي الله عنهم ، فسألوه هل أسلم ؟ فقال : نعم ، فنزلت { أمن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة } الآية إلى قوله : { أولوا الألباب } {[54943]} . فلما سمعوا ما نزل الله في أبي بكر أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا فنزلت فيهم : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى } إلى قوله : { أولوا الألباب } {[54944]} {[54945]} .

قوله : { ثم إلي مرجعكم } أي : مصيركم بعد مماتكم .

{ فأنبئكم بما كنتم تعملون } أي : فأخبركم بجميع ما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر ، ثم أجازيكم عليه .


[54934]:انظر: جامع البيان 21/71
[54935]:هو الليث بن سعد الفهمي مولاهم، أبو الحارث شيخ مصر وفقيهها، روى عن عطاء ونافع والزهري وغيرهم، وروى عنه ابن المبارك وابن وهب، توفي سنة 175، انظر: حلية الأولياء 7/270، 390، وتذكرة الحفاظ 1/224، 210، وغاية النهاية 2/34، 6238، وتقريب التهذيب 1/138، 8
[54936]:انظر: أسباب النزول للواحدي 273
[54937]:هو أبو محمد بن عبد الرحمن بن عوف القرشي، صحابي مشهور من السابقين المبشرين بالجنة، شهد المشاهد كلها، وولاه عمر وعثمان على الكوفة، توفي سنة 32هـ انظر: حلية الأولياء 1/98، وصفة الصفوة 1/349، وأسد الغابة 3/376، 3364، والإصابة 2/416، 5179، وتقريب التهذيب 1/494، 1070
[54938]:تقدمت ترجمته.
[54939]:هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي القرشي، أبو الأعور، صحابي جليل، هاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها إلا بدرا، وهو أحد العشر المبشرين بالجنة، ولد بمكة وتوفي بالمدينة سنة 51هـ انظر: حلية الأولياء 1/95، 8 وصفة الصفوة 1/362 وتهذيب التهذيب 4/34، 53، وتقريب التهذيب 1/296، 171
[54940]:هو عثمان بن عفان ذو النورين، الخلفية الثالث، مناقبه كثيرة انظر: حلية الأولياء 1/55 (3) وصفة الصفوة 1/294 وغاية النهاية 1/507، 2100، والإصابة 2/462، 5448
[54941]:هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله التيميمي، صحابي من العشرة المبشرين بالجنة، استشهد يوم الجمل سنة 36، انظر: حلية الأولياء 1/87، 5، وصفة الصفوة 1/336، 6، والإصابة 2/229، 4266، والتقريب 1/379، 34
[54942]:هو الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي أبو عبد الله الصحابي الشجاع، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المبشرين بالجنة استشهد في معركة الجمل عام 36هـ انظر حلية الأولياء 1/89، 6، والإصابة 1/545، 2789، والتقريب 1/259، 28
[54943]:الزمر: آية 10، ونصها فيما يلي: {أمن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}
[54944]:الزمر: 16 ـ17، ونصها فيما يلي: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}.
[54945]:انظر: أسباب النزول للواحدي 233، وفيه نسبة هذه الرواية لعطاء عن ابن عباس