السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

ولما ذكر تعالى وصيته بهما وأكد حقهما أتبعه الدليل على ما ذكر لقمان من قباحة الشرك بقوله تعالى : { وإن جاهداك } أي : مع ما أمرتك به من طاعتهما { على أن تشرك بي } وقوله تعالى { وما ليس لك به علم } موافق للواقع لأنه لا يمكن أن يدل علم من أنواع العلوم على شيء من الشرك بل العلوم كلها دالة على الوحدانية . ولما قرر ذلك على هذا المنوال البديع قال مسبباً عنه { فلا تطعهما } أي : في ذلك ولو اجتمعا على المجاهدة لك عليه بل خالفهما ، وإن أدى الأمر إلى السيف فجاهدهما به لأن أمرهما بذلك مناف للحكمة حامل على محض الجور والسفه ففيه تنبيه لقريش على محض الغلط في التقليد لآبائهم في ذلك ، وربما أفهم ذلك الإعراض عنهما بالكلية فلهذا قال تعالى { وصاحبهما في الدنيا } أي : في أمورها التي لا تتعلق بالدين ما دمت حياً بها { معروفاً } ببرهما إن كانا على دين يقران عليه ومعاملتهما بالحلم والإحتمال وما تقتضيه مكارم الأخلاق ومعالي الشيم . ولما كان ذلك قد يجرّ إلى نوع وهن في الدين ببعض محاباة نفي ذلك بقوله تعالى : { واتبع } أي : بالغ في أن تتبع { سبيل } أي : دين وطريق { من أناب } أي : أقبل خاضعاً { إليّ } لم يلتفت إلى عبادة غيري وهم المخلصون ، فإن ذلك لا يخرجك عن برهما ولا عن توحيد الله تعالى ولا عن الإخلاص له .

تنبيه : في هذا حث على معرفة الرجال بالحق وأمر بحك المشايخ وغيرهم على محك الكتاب والسنة ، فمن كان عمله موافقاً لهما اتبع ، ومن كان عمله مخالفاً لهما اجتنب . وإذا كان مرجع أمورهم كلها إليه في الدنيا ففي الآخرة كذلك كما قال تعالى { ثم إليّ } أي : في الآخرة { مرجعكم فأنبئكم } أي : أفعل فعل من يبالغ في التعقيب والاختبار عقب ذلك وتبيينه لأنّ ذلك أنسب شيء للحكمة وتعقب كل شيء بحسب ما يليق به { بما كنتم تعملون } أي : تجيدون عمله من صغير وكبير ، وجليل وحقير ، فأجازي من أريد وأغفر لمن أريد ، فأعد لذلك عدته ، ولا تعمل عمل من ليس له مرجع يحاسب فيه ويجازي على مثاقيل الذر من أعماله ، والآيتان معترضتان في تضاعيف وصية لقمان تأكيداً لما فيها من النهي عن الشرك كأنه قال تعالى : وصينا بمثل ما وصى به وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك فإنهما مع أنهما تلو الباري في استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز أن يتبعا في الإشراك فما ظنكم بغيرهما ونزولهما في سعد بن أبي وقاص وأمه مكثت لإسلامه ثلاثاً لم تطعم فيها شيئاً ، ولذلك قيل من أناب إليّ هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه فإن سعداً أسلم بدعوة أبي بكر له .