فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

{ إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم } أي : ما لا علم لك بشركته ، وذكر هذا القيد موافقة للواقع ، ولا مفهوم ( مخالفته ) له ، إذ ليس لله شريك يعلم لأنه مستحيل { فلا تطعمها } في ذلك لأنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق ، وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ، ولا ترك فريضة على الأعيان ؛ وتلزم طاعتهما في المباحات ، وقد قدمنا تفسير الآية ، وسبب نزولها في سورة العنكبوت ، قال سعد بن أبي وقاص : نزلت فيّ هذه الآية ، وعن أبي هريرة مثله ، وعليه جماعة من المفسرين .

{ وصاحبهما في الدنيا } أي : في أمورها التي لا تتعلق بالدين ، ما دمت حيا صحابا { معروفا } ببرهما إن كانا على دين يقران عليه وقيل : صاحبهما بمعروف وهو البر والصلة ، والعشرة الجميلة ، والخلق الجميل ، والحلم والاحتمال ، وما يقتضيه مكارم الأخلاق ، ومعالي الشيم .

{ واتبع سبيل من أناب } أي : رجع { إليّ } والخطاب لسائر المكلفين ، أي : اتبع أيها المكلف دين من أقبل إلى طاعتي من عبادي الصالحين ، بالتوبة والإخلاص ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قيل : يعني أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، قال : ابن عباس وذلك حين أسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمان بن عوف ، وقالوا له : قد صدقت هذا الرجل ، وآمنت به ؟ قال : نعم إنه صادق ، فآمنوا به ثم حملهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسلموا فهؤلاء لهم سابقة الإسلام اسلموا بإرشاد أبي بكر .

{ ثم إليّ } لا إلى غيري { مرجعكم } جميعا أي : أنت ووالدك ومن أناب إليّ { فأنبئكم } أخبركم عند رجوعكم إليّ { بما كنتم تعملون } من خير أو شر ، فأجازي كل عامل بعمله ، ثم شرع سبحانه في حكاية بقية كلام لقمان في وعظه لابنه فقال :