217- وقد كره المسلمون القتال في الشهر الحرام فسألوك عنه ، فقل لهم : نعم إن القتال في الشهر الحرام{[17]} إثم كبير ، ولكن أكبر منه ما حدث من أعدائكم من صد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام ، وإخراج المسلمين من مكة ، وقد كان إيذاؤهم للمسلمين لإخراجهم من دينهم أكبر من كل قتل ، ولذلك أُبيح القتال في الشهر الحرام لقمع هذه الشرور ، فهو عمل كبير يُتقي به ما هو أكبر منه . واعلموا - أيها المسلمون - أن سبيل هؤلاء معكم سبيل التجني والظلم ، وأنهم لا يقبلون منكم العدل والمنطق ، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ، ومن يضعف أمام هجماتهم ويرتد عن دينه حتى يموت على الكفر فأولئك بطلت أعمالهم الصالحة في الدنيا والآخرة ، وأولئك أهل النار هم فيها خالدون .
ولما كان الأمر بالقتال ، لو لم يقيد ، لشمل الأشهر الحرم وغيرها ، استثنى تعالى ، القتال في الأشهر الحرم فقال : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
الجمهور على أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ، منسوخ بالأمر بقتال المشركين حيثما وجدوا ، وقال بعض المفسرين : إنه لم ينسخ ، لأن المطلق محمول على المقيد ، وهذه الآية مقيدة لعموم الأمر بالقتال مطلقا ، ولأن من جملة مزية الأشهر الحرم ، بل أكبر مزاياها ، تحريم القتال فيها ، وهذا إنما هو في قتال الابتداء ، وأما قتال الدفع فإنه يجوز في الأشهر الحرم ، كما يجوز في البلد الحرام .
ولما كانت هذه الآية نازلة بسبب ما حصل ، لسرية عبد الله بن جحش ، وقتلهم عمرو بن الحضرمي ، وأخذهم أموالهم ، وكان ذلك - على ما قيل - في شهر رجب ، عيرهم المشركون بالقتال بالأشهر الحرم ، وكانوا في تعييرهم ظالمين ، إذ فيهم من القبائح ما بعضه أعظم مما عيروا به المسلمين ، قال تعالى في بيان ما فيهم : { وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أي : صد المشركين من يريد الإيمان بالله وبرسوله ، وفتنتهم من آمن به ، وسعيهم في ردهم عن دينهم ، وكفرهم الحاصل في الشهر الحرام ، والبلد الحرام ، الذي هو بمجرده ، كاف في الشر ، فكيف وقد كان في شهر حرام وبلد حرام ؟ ! { وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ } أي : أهل المسجد الحرام ، وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، لأنهم أحق به من المشركين ، وهم عماره على الحقيقة ، فأخرجوهم { مِنْهُ } ولم يمكنوهم من الوصول إليه ، مع أن هذا البيت سواء العاكف فيه والباد ، فهذه الأمور كل واحد منها { أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } في الشهر الحرام ، فكيف وقد اجتمعت فيهم ؟ ! فعلم أنهم فسقة ظلمة ، في تعييرهم المؤمنين .
ثم أخبر تعالى أنهم لن يزالوا يقاتلون المؤمنين ، وليس غرضهم في أموالهم وقتلهم ، وإنما غرضهم أن يرجعوهم عن دينهم ، ويكونوا كفارا بعد إيمانهم حتى يكونوا من أصحاب السعير ، فهم باذلون قدرتهم في ذلك ، ساعون بما أمكنهم ، { ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون }
وهذا الوصف عام لكل الكفار ، لا يزالون يقاتلون غيرهم ، حتى يردوهم عن دينهم ، وخصوصا ، أهل الكتاب ، من اليهود والنصارى ، الذين بذلوا الجمعيات ، ونشروا الدعاة ، وبثوا الأطباء ، وبنوا المدارس ، لجذب الأمم إلى دينهم ، وتدخيلهم عليهم ، كل ما يمكنهم من الشبه ، التي تشككهم في دينهم .
ولكن المرجو من الله تعالى ، الذي مَنّ على المؤمنين بالإسلام ، واختار لهم دينه القيم ، وأكمل لهم دينه ، أن يتم عليهم نعمته بالقيام به أتم القيام ، وأن يخذل كل من أراد أن يطفئ نوره ، ويجعل كيدهم في نحورهم ، وينصر دينه ، ويعلي كلمته .
وتكون هذه الآية صادقة على هؤلاء الموجودين من الكفار ، كما صدقت على من قبلهم : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }
ثم أخبر تعالى أن من ارتد عن الإسلام ، بأن اختار عليه الكفر واستمر على ذلك حتى مات كافرا ، { فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } لعدم وجود شرطها وهو الإسلام ، { وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
ودلت الآية بمفهومها ، أن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام ، أنه يرجع إليه عمله الذي قبل ردته ، وكذلك من تاب من المعاصي ، فإنها تعود إليه أعماله المتقدمة .
وبعد أن حرض الله - تعالى - المؤمنين على بذل أموالهم وأنفسهم في سبيله عقب ذلك ببيان حكم القتال في الأشهر الحرم فقال - تعالى - : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } . . . إلخ .
وقد ذكر كثير من المفسرين ومن أصحاب السير في سبب نزول هذه الآية قصة ملخصها : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش ومعه اثنا عشر رجلا كلهم من المهاجرين ، وأعطاء كتابا مختوما وأمره ألا يفتحه إلا بعد أن يسير يومين ، ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره أحداً من أصحابه . فسار عبد الله يومين ثم فتح الكتاب فإذا فيه " إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بنخلة - مكان بين مكة والطائف - فترصد بها عيراً لقريش وتعلم لنا من أخبارهم " .
فقال عبد الله : سمعا وطاعة ! ! وأخبر أصحابه بذلك وأنه لا يستكرههم فمن أحب الشهادة فيلنهض ومن كره الموت فليرجع فأما أنا فناهض ! فنهضوا جميعاً ، فلما كانوا في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما يعتقبانه . فتخلفا في طلبه ، ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى وصلوا نخلة فمرت عير لقريش في طريقها لمكة وكانت في حراسة عمرو بن الخصومي وعثمان بن المغيرة ، وأخويه نوفل والحكم به كيسان . فتشاور المسلمون وقالوا : نحن في آخر يوم من رجب . لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن في الحرم فليمتنعن منكم به ، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام ! ! فترددوا وهابوا الإِقدام عليهم ، ثم شجعوا أنفسهم عليهم ، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم ، فرمى " واقد بن عبد الله " عمرو بن الحضرمي يسهم فقتله ، وأسروا عثمان والحكم ، وأفلت منهم نوفل فأعجزهم .
وقيل : كان ذلك في أول ليلة من رجب وقد ظنوها آخر ليلة من جمادي . فإقدامهم على ما أقدموا عليه كان على سبيل الخطأ .
ثم أقبل عبد الله ومن معه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله وقد عزلوا من ذلك الخمس فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه وقال لهم : " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام " وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا . وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه القتال في الشهر الحرام ، واشتد ذلك على المسلمين ، حتى أنزل الله تعالى قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ . . . }
والمعنى : يسألونك يا محمد عن حكم القتال في الشهر الحرام ، قل لهم . القتال فيه أمر كبير مستنكر ، وذنب عظيم مستقبح ، لأن فثيه اعتداء على الشهر الحرام المقدس ، وانتهاك لمحارم الله - تعالى - .
والسائلون قيل هم المؤمنون ؛ وقد سألوا عن حكم ذلك على سبيل التعليم والتماس المخرج لما حصل منهم . وقيل هم المشركون وسؤالهم على سبيل التعبير للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، حيث أقدم بعضهم وهو عبد الله ومن معه على القتال فيه فرد الله عليهم بأن القتال فيه كبير ولكن ما فعله هؤلاء المشركون من صد عن سبيل الله وكفر به . . . الخ أكبر من ذلك بكثير .
فالجواب تشريع إن كان السؤال من المسلمين . وتبكيت وتوبيخ إن كان من المشركين ، لأنهم توقعوا أن يجيبهم بإباحة القتال فيه فيثيروا الشبهات حول الإِسلام والمسلمين ، فلما أجابهم بأن القتال فيه كبير وأن ما فعلوه من جرائم في حق المسلمين أكبر وأعظم كبتوا وألقموا حجراً .
والمراد بالشهر الحرم جميعها وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب .
وسميت بذلك لحرمة القتال فيها ، فأل في الشهر للجنس . وقيل للعهد والمراد بالشهر الحرام شهر رجب الذي حدثت فيه قصة عبد الله بن جحش وأصحابه .
وقوله " قتال فيه " بدل اشتمال من الشهر الحرام ، و { قِتَالٌ } مبتدأ و { كَبِيرٌ } خبر و { فِيهِ } ظرف صفة لقتال مخصصة له .
قال الإِمام الرازي : فإن قيل : لم نكر القتال في قوله - تعالى - : { قِتَالٌ فِيهِ } ومن حق النكرة إذا تكررت أن تجئ باللام حتى يكون المذكور الثاني هو الأول ، لأنه لو لم يكن كذلك كان المذكور غير الأول كما في قوله - تعالى - : { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً . إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً } قلنا : نعم ما ذكرتم من أن اللفظ إذا تكرر وكانا نكرتين كان المراد بالثاني غير الأول . والقوم أرادوا بقولهم : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ } ذلك القتال المعين الذي أقدم عليه عبد الله وأصحابه فقال - تعالى - { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } . وفيه تنبيه على أن القتال الذي يكون كبيراً ليس هو القتال الذي سألتم عنه ؛ بل هو قتال آخر ؛ لأن هذا القتال كان الغرض به نصرة الإِسلام وإذلال الكفر فكيف يكون هذا من الكبائر ؟ إنما القتال الكبير هو الذي يكون الغرض فيه هدم الإِسلام وتقوية الكفر ؛ فكان اختيار التنكير في اللفظين لأجل هذه الدقيقة ، ولو أنه وقع التعبير عنهما أو عن أحدهما بلفظ التعريف لبطلت هذه الفائدة . فسبحان من له تحت كل كلمة من كلمات هذا الكتاب - بل تحت كل حرف منه - سر لطيف لا يهتدي إليه إلا أولو الألباب " .
ثم أخذ القرآن يعدد على المشركين جرائمهم التي كل جريمة منها أكبر من القتال في الشهر الحرام الذي فعله المؤمنون لدفع الضرر عن أنفسهم أو لجلهلهم بالميقات فقال - تعالى - : { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ الله } .
أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين نحن نوافقكم على أن القتال في الشهر الحرام كبير ، ثم قل لهم أيضاً على سبيل التوبيخ إن ما فعلتموه أنتم من صرفكم المسلمين عن طاعة الله وعن الوصول إلى حرمه ، ومن شرككم بالله في بيته ، ومن إخراجكم لأهله منه أعظم وزرا عند الله من القتال في الشهر الحرام .
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة إدخال الطمأنينة على قلوب المؤمنين بسبب ما وقع من عبد الله بن جحش ومن معه ، وتبكيت المشركين على إجرائمهم التي أولها يتمثل في قوله تعالى - : { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله } أي : منع من يريد الإِسلام من دخوله ، وابتدأ - سبحانه - ببيان صدهم عن سبيله للإِشارة إلى أنهم يعاندون الحق في ذاته .
وثانيها قوله : { وَكُفْرٌ بِهِ } أي : كفر بالله - تعالى - وهو معطوف على ما قبله .
وثالثها قوله : { والمسجد الحرام } وهو معطوف على سبيل الله أي : وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام بمنعهم المؤمنين من الحج والاعتمار .
ورابعها قوله : { وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ } أي : وإخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من مستقرهم حول المسجد الحرام بمكة وهم القائمون بحقوقه ، كل ذلك " أكبر " جرما ، وأعظم إثما { عِندَ الله } من القتال في الشهر الحرام .
قال الجمل : فقوله " أكبر " خبر عن الثلاثة أعنى : صد وكفر وإخراج وفيه حينئذ احتمالان :
أحدهما : أن يكون خبراً عن المجموع .
وثانيهما : أن يكون خبرا عنهما باعتبار كل واحد كما تقول : زيد وبكر وعمرو أفضل من خالد أي : كل واحد منهم على انفراده أفضل من خالد ، وهذا هو الظاهر . والمفضل عليه محذوف أي : أكبر مما فعلته السرية " .
ثم أضاف - سبحانه - إلى جرائهم السابقة جريمة خامسة فقال : { والفتنة أَكْبَرُ مِنَ القتل } أي : ما فعله المشركون من إنزال الشدائد بالمؤمنين تارة بإلقاء الشبهات وتارة بالتعذيب ليحملوهم على ترك عقيدتهم أكبر إثما من القتال في الشهر الحرام ، لأن الفتنة عن الدين تفضي إلى القتل الكثير في الدنيا وإلى استحقاق العذاب الدائم في الآخرة .
وقيل المراد بالفتنة هنا الكفر . أي : كفركم بالله أكبر من القتل في الشهر الحرام .
وأصيل الفتنة : عرض الذهب على النار ، لاستخلاصه من الغش ، ثم استعملت في الشرك وفي الامتحان بأنواع الأذى والاضطهاد .
ويعزى إلى عبد الله بن جحش أنه قال ردا على المشركين عندما قالوا : استحل محمد وأصحابه القتال في الشهر الحرام .
تعدون قتلا في الحرام عظيمة . . . وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد . . . وكفر به ، والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله . . . لئلا يرى لله في البيت ساجد
فإنا وإن عيَّر تُمونا بقتله . . . وأرجف بالإِسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا . . . بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دماً ، وابن عبد الله عثمان بيننا . . . ينازعه غل من القد عاند
وقوله - تعالى - : { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حتى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ } بيان لشدة عداوة الكفار للمؤمنين ودوامها .
أي : ولا يزال المشركون يقاتلونكم أيها المؤمنون ويضمرون لكم السوء ويداومون على إيذائكم لكي يرجعوكم عن دين الإِسلام إلى الكفر إن استطاعوا ذلك وقدروا عليه . والتعبي بقوله { وَلاَ يَزَالُونَ } المفيد للدوام والاستمرار للإِشعار بأن عداوة المشركين للمسلمين لا تنقطع وأنهم لن يكفوا عن الإِعداد لقتالهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، فعلى المؤمنين ألا يغفلوا عن الدفاع عن أنفسهم .
و { حتى } للتعليل أي : { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ } لكي { يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ } أو بمعنى إلى ، أي : إلى أن يردوكم عن دينكم . والرد : الصرف عن الشيء والإِرجاع إلى ما كان عليه قبل ذلك : فغاية المشركين أن يردوا المسلمين بعد إيمانهم كافرين .
وقوله : { إِن اسْتَطَاعُواْ } يدل - كما يقول الزمخشري - على استبعاد استطاعتهم رد المسلمين عن دينهم ، وذلك كقول الرجل لعدوه : إن ظفرت بي فلا تبق على .
وهو واثق من أنه لن يظفر به . ويشهد لذلك التعبير بإن المفيدة للشك .
وفائدة التقييد بالشرط " إن " التنبيه على سخافة عقول المشركين ، وكون دوام عداوتهم للمؤمنين لن تؤدي إلى النتيجة التي يتمنونها وهي رد السملمين عن دينهم ، لأن لهذا الدين ربا يحميه ، وأتباعه يفضلون الموت على الرجوع عنه .
ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة من يرتد عن الإِسلام فقال : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدنيا والآخرة وأولائك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
ويرتدد يفتعل من الرد وهو الرجوع عن دينه إلى الكفر .
و { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أي : بطلت وفسدت وأصله من الحبط ، بفتح الباء - وهو أن تأكل الدابة أكلا كثيراً تنتفخ معه بطونها فلا تنتفع بما أكلت ويفسد حالها وربما تموت من ذلك . شبه - سبحانه - حال من يعمل الأعمال الصالحة ثم يفسدها بارتداده فتكون وبالا عليه ، بحال الدابة التي أكلت حتى أصابها الحبط ففسد حالها .
والمعنى : ومن يرتدد منكم عن دين الإِسلام ، فيمت وهو كافر دون أن يعود إلى الإِيمان فأولئك الذين ارتدوا وماتوا على الكفر بطلبت جميع أعمالهم الصالحة ، وصارت غير نافعة لهم لا في الدنيا بسبب انسلاخهم عن جماعة المسلمين ، ولا في الآخرة بسبب ردتهم وموتهم على الكفر ، وأولئك الذين هذا شأنهم أصحاب النار هم فيها خالدون خلوداً أبدياً كسائر الكفرة ، ولا يغني عنهم إيمانهم السابق على الردة شيئاً .
وجيء بصيغة الافتعال من الردة وهي مؤذنة بالتكلف ، للإِشارة إلى أن من باشر الدين الحق وخالطت بشاشته قلبه كان من المستبعد عليه أن يرجع عنه ، فهذا المرتد لم يكن مستقراً على هذا الدين الحق وإنما قلقاً مضطرباً غير مستقر حتى انتهى به الأمر بموته على الكفر لتكلفه الدخول في الدين الحق دون الثبات عليه .
وفي قوله : { مِنْكُمْ } إشعار بأنه لا يتصور أن تتحقق بغية المشركين وهي أن يردوا المسلمين جميعاً عن دينهم . بل أقصى ما يتصوره العقلاء أن ينالوا ضعيف الإِيمان فيردوه إلى دينهم ، فيكون الله - تعالى - قد نفى خبثه عن هذا الدين ، إذ لا خير في هؤلاء المشركين ولا فيمن عاد إليهم بعد إيمانه ، والكل مأواهم النار وبئس القرار .
قال الجمل : ومن شرطية في محل رفع بالابتداء ، يرتدد فعل الشرط ، ومنكم متعلق بمحذوف لأنه حال من الضمير المستكن في يرتدد ؛ ومن للتبعيض . والتقدير : ومن يرتدد في حال كونه كائناً منكم أي بعضكم ، وعن دينه متعلق بيرتدد ، وقوله فيمت وهو كافر عطف على الشرط والفاء مؤذنة بالتعقيب ، وقوله : { وَهُوَ كَافِرٌ } جملة حالية من ضمير بمت . وقوله : فأولئك جواب اشرط .
وقوله : وأولئك أصحاب النار مستأنف لمجرد الإِخبار بأنهم أصحاب النار أو معطوف على جواب الشرط . . " .
وفي الإِتيان باسم الإِشارة " أولئك " في الموضعين تنبيه إلى أنهم أحرياء بتلك العقوبات الأليمة بسبب ردتهم وموتهم على الكفر .
وفي التنصيص على حبوط أعمالهم في الدنيا والآخرة زيادة مذمة لهم ، فهم في الدنيا - بسبب ردتهم - تسلب عنهم آثار كلمة الشهادتين من حرمة الأنفس والأموال والأعراض والصلاة عليهم بعد الموت ، والدفن في مقابر المسلمين ، ومن طلاق زوجته المسلمة منه ومن عدم التوارث إلى غير ذلك من حقوق المسلمين ، أما في الآخرة فشأنهم شأن الكافرين في ملازمتهم للنار . هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة :
1 - حرمة القتال في الشهر الحرام ، والجمهور على أن هذا الحكم منسوخ ، وأنه لا حرج في قتال المشركين في الأشهر الحرم لقوله - تعالى - : { فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } فإن المراد بالأشهر الحرم هنا : هي أشهر العهد الأربعة التي أبيح للمشركين السياحة فيها في الأرض ، لا الأشهر الحرم الأربعة المعروفة ، فالتقييد بها يفيد أن قتلهم بعد انسلاخها مأمور به في جميع الأزمنة والأمكنة . وأيضاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غزا هوازن وثقيف وأرسل بعض أصحابه إلى أوطاس ليحارب من فيها من المشركين ، وكان ذلك في بعض الأشهر الحرم ، ولو كان القتال فيهن حراما لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الآلوسي : وخالف عطاء في ذلك ، فقد روى عنه أنه سئل عن القتال في الشهر الحرام فحلف بالله - تعالى -ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه وجعل ذلك حكما مستمراً إلى يوم القيامة ، والأمة اليوم على خلافه في سائر الأمصار " .
وقد رجح بعض العلماء ما ذهب إليه عطاء فقال : ومهما يكن فإن القتال في الأشهر الحرم حرام في حال الاختيار والابتداء فلا يصح البدء بالغزو فيه . ولقد قال جابر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل في الشهر الحرام إلا أن يُغزَى أو يغزو حتى إذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ .
ولقد قال بعض العلماء : إن تحريم القتال في الشهر الحرام منسوخ بقوله - تعالى - : { وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } وبقتال النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فيه . والحقيقة أنه لم يثبت ناسخ صريح في النسخ فإن قوله - تعالى - : { وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً } العموم فيه بالنسبة للمقاتلين لا بالنسبة لزمان القتال ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبتدئ قتالا في الشهر الحرام مختاراً قط ، والتحريم في الاختيار والابتداء كما بينا لا في البقاء والاضطرار ، لذا قال - سبحانه - :
{ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } ولأن الأشهر الحرم نص عليها في خطبة الوداع وكل ما جاء فيها غير منسوخ " .
2 - كذلك من الأحكام التي أخذها العلماء من الآية أن الردة تحبط العمل في الدنيا سواء أمات المرتد على كفره أم عاد إلى الإِسلام قبل موته بدليل قوله - تعالى - في آية أخرى { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } فقد علق الحبوط بمجرد الشرك ، والخطاب وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم فالمراد أمته لاستحالة الشرك عليه . وعلى هذا الرأي سار المالكية والأحناف .
ويرى الشافعية أن الردة تحبط العمل في الدنيا متى مات المرتد كافراً ، لأن الآية تقول : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } ويظهر أثر الخلاف فيمن حج مسلما ، ثم أرتد ثم أسلم ، فالأحناف والمالكية يوجبون عليه إعادة الحج لأن الردة أحبطت حجه . والشافعية يقولون : لا حج عليه لأن حجه قد سبق والردة لا تحبط العمل إلا إذا مات الشخص كافراً .
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 217 )
وقوله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام } الآية ، نزل في قصة عمرو بن الحضرمي ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية عليها عبد الله بن جحش الأسدي مقدمه( {[2014]} ) من بدر الأولى ، فلقوا عمرو بن الحضرمي ومعه عثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل المخزوميان والحكم بن كيسان في آخر يوم من رجب على ما ذكر ابن إسحاق ، وفي آخر يوم من جمادى الآخرة على ما ذكره الطبري عن السدي وغيره . والأول أشهر ، على أن ابن عباس قد ورد عنه أن ذاك كان في أول ليلة من رجب والمسلمون يظنونها من جمادى ، وأن القتل في الشهر الحرام لم يقصدوه ، وأما على قول ابن إسحاق فإنهم قالوا إن تركناهم اليوم دخلوا الحرم فأزمعوا قتالهم ، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، وأسر عثمان بن عبد الله والحكم ، وفر نوفل فأعجزهم ، واستسهل المسلمون هذا في الشهر الحرام خوف فوتهم ، فقالت قريش : محمد قد استحل الأشهر الحرم ، وعيروا بذاك ، وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم ، فنزلت هذه الآية .
وذكر المهدوي أن سبب هذه الآية أن عمرو بن أمية الضمري قتل رجلين من بني كلاب في رجب فنزلت ، وهذا تخليط من المهدوي( {[2015]} ) . وصاحبا عمرو كان عندهما عهد من النبي صلى الله عليه وسلم( {[2016]} ) ، وكان عمرو قد أفلت من قصة بئر معونة ، وذكر الصاحب بن عباد( {[2017]} ) في رسالته المعروفة بالأسدية أن عبد الله بن جحش سمي أمير المؤمنين في ذلك الوقت ، لكونه مؤمراً على جماعة من المؤمنين ، و { قتال } بدل عند سيبويه ، وهو بدل الاشتمال( {[2018]} ) .
وقال الفراء : هو خفض بتقدير عن( {[2019]} ) .
وقال أبو عبيدة «هو خفض على الجوار » ، وقوله هذا خطأ( {[2020]} ) ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه » بتكرير عن ، وكذلك قرأها الربيع والأعمش ، وقرأ عكرمة «عن الشهر الحرام قتل فيه قل قتل » دون ألف فيهما ، و { الشهر } في الآية اسم الجنس( {[2021]} ) ، وكانت العرب قد جعل الله لها { الشهر الحرام } قواماً تعتدل عنده( {[2022]} ) ، فكانت لا تسفك دماً ولا تغير في الأشهر الحرم ، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، وروى جابر بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغزو فيها إلا أن يغزى( {[2023]} ) ، فذلك قوله تعالى { قل قتال فيه كبير } ، و { صد } مبتدأ مقطوع مما قبله( {[2024]} ) ، والخبر { أكبر } ، و { المسجد } معطوف على { سبيل الله } ، وهذا هو الصحيح( {[2025]} ) .
وقال الفراء : { صد } عطف على { كبير } ، وذلك خطأ ، لأن المعنى يسوق إلى أن قوله { وكفر به } عطف أيضاً على { كبير }( {[2026]} ) ، ويجيء من ذلك أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر عند الله ، هذا بين فساده( {[2027]} ) ، ومعنى الآية على قول الجمهور : إنكم يا كفار قريش تستعمظون علينا القتال في الشهر الحرام ، وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ومن كفركم بالله وإخراجكم أهل المسجد عنه كما فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكبر جرماً عند الله .
وقال الزهري ومجاهد وغيرهما : قوله { قل قتال فيه كبير } منسوخ بقوله { وقاتلوا المشركين كافة } [ التوبة : 36 ] ، وبقوله : { فاقتلوا المشركين }( {[2028]} ) [ التوبة : 5 ] .
وقال عطاء : «لم تنسخ ، ولا ينبغي القتال في الأشهر الحرم » ، وهذا ضعيف( {[2029]} ) .
وقوله تعالى : { والفتنة أكبر من القتل } المعنى عند جمهور المفسرين ، والفتنة التي كنتم تفتنون المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا( {[2030]} ) أشد اجتراماً من قتلكم في الشهر الحرام ، وقيل : المعنى والفتنة أشد من أن لو قتلوا ذلك المفتون ، أي فعلكم على كل إنسان أشد من فعلنا( {[2031]} ) .
وقال مجاهد وغيره : { الفتنة } هنا الكفر أي كفركم أشد من قتلنا أولئك .
قوله تعالى : { ولا يزالون } ابتداء خبر من الله -عز وجل- وتحذير منه للمؤمنين من شر الكفرة ، و { يردوكم } نصب ب { حتى } لأنها غاية مجردة( {[2032]} ) ، وقوله تعالى { ومن يرتدد } [ أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر ، قالت طائفة من العلماء : يستتاب المرتد فإن تاب وإلا قتل .
وقال عبيد بن عمير وطاوس والحسن -على خلاف عنه- والشافعي في أحد قوليه : يقتل دون أن يستتاب ، وروي نحو هذا عن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل( {[2033]} ) .
قال القاضي أبو محمد : ومقتضى قولهما إنه يقال له للحين : راجع ، فإن أبى ذلك قتل ، وقال عطاء ابن أبي رباح : «إن كان المرتد ابن مسلمين قتل دون استتابة وإن كان أسلم ثم ارتد استتيب » ، وذلك لأنه يجهل من فضل الإسلام ما لا يجهل ابن المسلمين ، واختلف القائلون بالاستتابة : فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستتاب ثلاثة أيام . وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه .
وقال الزهري : «يدعى إلى الإسلام فإن تاب وإلا قتل » .
وروي عن علي أبي طالب رضي الله عنه أنه استتاب مرتداً شهراً فأبى فقتله ، وقال النخعي والثوري : يستتاب محبوساً أبداً ، قال ابن المنذر : واختلفت الآثار عن عمر في هذا الباب .
{ قال القاضي أبو محمد } : كان رضي الله عنه ينفذ بحسب جرم ذلك المرتد أو قلة جرمه المقترن بالردة ، وحبط العمل إذا انفسد( {[2034]} ) في آخر فبطل( {[2035]} ) ، وقرأ أبو السمال( {[2036]} ) «حبطَت » بفتح الباء في جميع القرآن .
وقال علي بن أبي طالب والحسن والشعبي والحكم والليث وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه : ميراث المرتد لورثته من المسلمين ، وقال مالك وربيعة وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور : ميراثه في بيت المال( {[2037]} ) ، وأجمع الناس على أن ورثته من أهل الكفر لا يرثونه إلإ شذوذاً ، روي عن عمر بن عبد العزيز وعن قتادة ، وروي عن عمر بن عبد العزيز خلافه( {[2038]} ) .