تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ قِتَالٖ فِيهِۖ قُلۡ قِتَالٞ فِيهِ كَبِيرٞۚ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفۡرُۢ بِهِۦ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَإِخۡرَاجُ أَهۡلِهِۦ مِنۡهُ أَكۡبَرُ عِندَ ٱللَّهِۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَكۡبَرُ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (217)

{ يسألونك عن الشهر الحرام } ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب على سرية في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين ، على رأس ستة عشر شهرا ، بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه ، ووجد من فراق النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن عقد له اللواء ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وجده ، بعث مكانه عبد الله ابن جحش الأسدي من بني غنم بن دودان ، وأمه عمة النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب ، وهو حليف لبني عبد شمس ، وكتب له كتابا ، وأمره أن يتوجه قبل مكة ، ولا يقرأ الكتاب حتى يسير ليلتين ، فلما سار عبد الله ليلتين ، قرأ الكتاب ، فإذا فيه : سر باسم الله إلى بطن نخلة ، على اسم الله وبركته ، ولا تكرهن أحد من أصحابك على السير ، وامض لأمري ومن اتبعك منهم ، فترصد بها عير قريش ، فلما قرأ الكتاب استرجع عبد الله ، واتبع استرجاعه بسمع وطاعة الله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم .

ثم قال عبد الله لأصحابه : من أحب منكم أن يسير معي فليسر ، ومن أحب أن يرجع فليرجع ، وهم ثمانية رهط من المهاجرين : عبد الله بن جحش الأسدي ، وسعد بن أبي وقاص الزهري ، وعتبة بن غزوان المزني حليف لقريش ، وأبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وسهل بن بيضاء القرشي ، ويقال : سهل من بني الحارث بن فهد ، وعامر بن ربيعة القرشي من بني عدي بن كعب ، وواقد بن عبد الله التميمي ، فرجع من القوم سعد ابن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان ، وسار عبد الله ومعه خمسة نفر وهو سادسهم ، فلما قدموا لبطن نخلة بين مكة والطائف ، حملوا على أهل العير ، فقتلوا عمر بن الحضرمي القرشي ، قتله واقد بن عبد الله التميمي ، رماه بسهم ، فكان أول قتيل في الإسلام من المشركين ، وأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة ، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة المخزومي ، فغديا بعد ذلك في المدينة ، وأفلتهم نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي على فرس له جواد أنثى ، فقدم مكة من الغد ، وأخبر الخبر مشركي مكة ، وكرهوا الطلب ، لأنه أول يوم من رجب ، وسار المسلمون بالأسارى والغنيمة حتى قدموا المدينة ، فقالوا : يا نبي الله ، أصبنا القوم نهارا ، فلما أمسينا رأينا هلال رجب ، فما ندري أصبناهم في رجب أو في آخر يوم من جمادى الآخرة .

وأقبل مشركو مكة على مسلميهم ، فقالوا : يا معشر الصباة ، ألا ترون أن إخوانكم استحلوا القتال في الشهر الحرام ، وأخذوا أسارانا وأموالنا ، وأنتم تزعمون أنكم على دين الله ، أفوجدتم هذا في دين الله حيث أمن الخائف ، وربطت الخيل ، ووضعت الأسنة ، وبدأ الناس لمعاشهم ، فقال المسلمون : الله ورسوله أعلم ، وكتب مسلمو مكة إلى عبد الله بن جحش أن المشركين عابونا في القتال ، وأخذ الأسرى والأموال في الشهر الحرام ، فاسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألنا في ذلك متكلم ، أو أنزل الله بذلك قرآنا ، فدفع عبد الله بن جحش الأسدي الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : { يسألونك عن الشهر الحرام { { قتال فيه قل قتال فيه كبير } ، ولم يرخص فيه القتال .

ثم قال : { وصد عن سبيل الله } ، يعني دين الإسلام ، { وكفر به } ، أي وكفر

بالله ، { و } صد عن { والمسجد الحرام وإخراج أهله منه } من عند المسجد الحرام ، فذلك صدهم ، وذلك أنهم أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة ، { أكبر عند الله } ، فهذا أكبر عند الله من القتل والأسر وأخذ الأموال ، ثم قال سبحانه : { والفتنة } ، يعني الإشراك الذي أنتم فيه { أكبر } عند الله { من القتل } ، ثم أخبر عز وجل عن رأى مشركي العرب في المسلمين ، فقال سبحانه : { ولا يزالون يقاتلونكم } ، يعني مشركي مكة { حتى يردوكم } يا معشر المؤمنين { عن دينكم } الإسلام ، { إن استطاعوا } ، ثم خوفهم ، فقال : { ومن يرتدد منكم عن دينه } الإسلام ، يقول : ومن ينقلب كافرا بعد إيمانه ، { فيمت وهو كافر فأولئك حبطت } يعني بطلت { أعمالهم } الخبيثة ، فلا ثواب لهم { في الدنيا و } لا في { والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } يعني لا يموتون .

فكتب عبد الله بن جحش إلى مسلمي أهل مكة بهذه الآية ، وكتب إليهم إن عيّروكم ، فعيّروهم بما صنعوا .

/خ217