أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه بسند صحيح عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، أو عبيدة بن الحرث ، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس وبعث مكانه عبد الله بن جحش ، وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، وقال : لا تكرهن أحدا على السير معك من أصحابك ، فلما قرأ الكتاب استرجع وقال : سمعا وطاعة لله ولرسوله ، فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب ، فرجع رجلان ومضى بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى ، فقال المشركون للمسلمين : قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . . } الآية . فقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر ، فأنزل الله { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } " .
وأخرج البزار عن ابن عباس في قوله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن فلان في سرية ، فلقوا عمرو بن الحضرمي ببطن نخلة ، فذكر الحديث .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال " إن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام ، ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل ، فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام ، فقال الله { قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله } من القتال فيه ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب ، وأن أصحاب محمد كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى ، وكانت أول رجب ولم يشعروا ، فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه ، وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك ، فقال الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } وغيره أكبر منه { وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام } وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر من الذي أصاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، والشرك أشد منه " .
وأخرج ابن اسحق حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزل فيما كان من مصاب عمرو بن الحضرمي { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . . } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن منده وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث صفوان بن بيضاء في سرية عبد الله بن جحش قبل الأبواء ، فغنموا وفيهم نزلت { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . . } الآية " .
وأخرج ابن جرير من طريق السدي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وكانوا سبعة نفر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي ، وفيهم عمار بن ياسر ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل ، أو سهيل بن بيضاء ، وعامر بن فهيرة ، وواقد بن عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب ، وكتب مع ابن جحش كتابا أمره أن لا يقرأه حتى ينزل ملل ، فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب ، فإذا فيه أن سر حتى تنزل بطن نخلة . قال لأصحابه : من كان يريد الموت فليمض وليوص فإني موص وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان ، أضلا راحلة لهما وسار ابن جحش إلى بطن نخلة ، فإذا هم بالحكم بن كيسان ، وعبد الله بن المغيرة بن عثمان ، وعمرو الحضرمي ، فاقتتلوا فأسروا الحكم بن كيسان ، وعبد الله بن المغيرة ، وانقلب المغيرة وقتل عمرو الحضرمي قتله واقد بن عبد الله ، فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما غنموا من الأموال قال المشركون : محمد يزعم أنه يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر الحرام ، فأنزل الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } لا يحل وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عنه محمدا { والفتنة } وهي الشرك أعظم عند الله من القتل في الشهر الحرام ، فذلك قوله { وصد عن سبيل الله وكفر به . . . } الآية " .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال " أن رجلا من بني تميم أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ، فمر بابن الحضرمي يحمل خمرا من الطائف إلى مكة فرماه بسهم فقتله ، وكان بين قريش ومحمد فقتله في آخر يوم من جمادى الآخرة وأول يوم من رجب . فقالت قريش : في الشهر الحرام ولنا عهد ؟ فأنزل الله { قل قتال فيه كبير . . . } الآية . يقول : كفر به وعبادة الأوثان أكبر من قتل ابن الحضرمي " .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك الغفاري قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش ، فلقي ناسا من المشركين ببطن نخلة والمسلمون يحسبون أنه آخر يوم من جمادى وهو أول يوم من رجب ، فقتل المسلمون ابن الحضرمي . فقال المشركون : ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام والبلد الحرام ، وقد قتلتم في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } إلى قوله { أكبر عند الله } من الذي استكبرتم من قتل ابن الحضرمي { والفتنة } التي أنتم عليها مقيمون يعني الشرك { أكبر من القتل } .
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق الزهري عن عروة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية من المسلمين ، وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي ، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة ، فوجدوا فيها عمرو بن الحضرمي في عبر تجارة لقريش في يوم بقي من الشهر الحرام ، فاختصم المسلمون فقال قائل منهم : هذه غرة من عدو وغنم رزقتموه ، ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا . وقال قائل : لا نعلم اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفقتم عليه ، فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره . فبلغ ذلك كفار قريش وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين ، فركب وفد كفار قريش حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقالوا : أتحل القتال في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله عز وجل { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله . . . } إلى آخر الآية . فحدثهم الله في كتابه : إن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان ، وإن الذين يستحلون من المؤمنين هو أكبر من ذلك ، فمن صدهم عن سبيل الله حين يسخمونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكفرهم بالله وصدهم للمسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه ، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين وفتنهم إياهم عن الدين ، فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمي وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه ، حتى أنزل الله عز وجل ( براءة من الله ورسوله ) ( التوبة الآية 1 ) .
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري ومقسم قالا " لقي واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي أول ليلة من رجب وهو يرى أنه من جمادى فقتله ، فأنزل الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . . } الآية . قال الزهري : فكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ، ثم أحل بعد " .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق يزيد بن رومان عن عروة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش إلى نخلة فقال له : كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام ، وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أنه يسير فقال : اخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه ، فما أمرتك به فامض له ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك ، فلما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه : أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش بما تصل إليك منهم . فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب : سمعا وطاعة من كان منكم له رغبة في الشهادة فلينطلق معي فإني ماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن كره ذلك منكم فليرجع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاني أن أستكره منكم أحدا ، فمضى معه القوم حتى إذا كانوا بنجران أضل سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان ، بعيرا لهما كانا يتعقبانه ، فتخلفا عليه يطلبانه .
ومضى القوم حتى نزلوا نخلة فمر بهم عمرو بن الحضرمي ، والحكم بن كيسان ، وعثمان ، والمغيرة بن عبد الله ، معهم تجارة قد مروا بها من الطائف أدم وزيت ، فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد الله وكان قد حلق رأسه ، فلما رأوه حليقا قال عمار : ليس عليكم منهم بأس وائتمر القوم بهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخر يوم من جمادى ، فقالوا : لئن قتلتوهم إنكم لتقتلونهم في الشهر الحرام ، ولئن تركتموهم ليدخلن في هذه الليلة حرم مكة فيمتنعن منكم . فأجمع القوم على قتلهم ، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي فقتله ، واستأسر عثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان ، وهرب المغيرة فأعجزهم .
واستاقوا العير فقدموا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : والله ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ، فأوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين والعير فلم يأخذ منها شيئا ، فلما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد سقط في أيديهم ، وظنوا أن قد هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين ، وقالت قريش حين بلغهم أمر هؤلاء : قد سفك محمد الدم الحرام ، وأخذ المال ، وأسر الرجال ، واستحل الشهر الحرام ، فأنزل الله في ذلك { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . . } الآية . فلما نزل ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير ، وفدى الأسيرين .
فقال المسلمون : يا رسول الله أتطمع أن يكون لنا غزوة ؟ فأنزل الله { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله } وكانوا ثمانية وأميرهم التاسع عبد الله بن جحش " .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } قال : يقول : يسألونك عن قتال فيه قال : وكذلك كان يقرؤها { عن قتال فيه } .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبد الله ( يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه ) .
وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة . أنه كان يقرأ هذا الحرف { قتل فيه } .
وأخرج عن عطاء بن ميسرة قال : أحل القتال في الشهر الحرام في براءة في قوله ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة ) ( التوبة الآية 36 ) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري . أنه سئل عن هذه الآية فقال : هذا شيء منسوخ ، ولا بأس بالقتال في الشهر الحرام .
وأخرج النحاس في ناسخه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : قوله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } أي في الشهر الحرام . قال { قتال فيه كبير } أي عظيم ، فكان القتال محظورا حتى نسخه آية السيف في براءة ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ( التوبة الآية 5 ) فأبيح القتال في الأشهر الحرام وفي غيرها .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر { والفتنة أشد من القتل } قال : الشرك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { ولا يزالون يقاتلونكم } قال : كفار قريش .